السودان

مدني حسب الله يكتب .. الدعم السريع يكسب المعركة الأخلاقية مع توسع مناطق سيطرته

بقلم: مدني حسب الله

09 أغسطس 2024

بإلقاء نظرة خاطفة على حرب الخامس عشر من أبريل الجارية والتي لا شك أن من أشعل فتيلها هم الإخوان المسلمون وحلفاؤهم من حزب المؤتمر الوطني والمليشيات الجهادية، ولكن في السياق العام نجد أن أطرافها قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية التي يقدر عمرها بمائة عام وتعتبر المتحكم الرئيسي في كل موارد البلاد الاقتصادية.

بدأت هذه الحرب وكأنها سحابة صيف في نظر المحرضين عليها وتقديرات خبرائهم الذين توقعوا أن تنتهي خلال 72 ساعة على الأكثر، مدعمين هذه الفرضية بالعتاد العسكري الذي يمتلكه الجيش السوداني ممثلاً في المدفعية وسلاح الجو تحديداً، مدعوماً بأموال الشعب الذي فتحت خزائنه بسخاء لإكمال المهمة.

مرت الفترة التي توقعها الخبراء دون تحقيق أي انتصار، ولكن حدث العكس، فقد حققت قوات الدعم السريع تقدماً ملحوظاً بينما تراجعت قوات الجيش السوداني تراجعاً رهيباً. استمر هذا الوضع على ما هو عليه لفترة تجاوزت السبعة أشهر.

لقد استخدمت القوات المسلحة السودانية كل الوسائل الممكنة لتحقيق نصرها المزعوم، سواء كانت معنوية أو غير معنوية، ولكن دون جدوى. فقد استخدم الإعلام العسكري السوداني سلاح الشائعات، وكان هدفه تثبيط عزيمة مقاتلي قوات الدعم السريع، ورفع الروح المعنوية لجنود القوات المسلحة السودانية، ولفت أنظار المجتمع الدولي إلى الانتهاكات التي كان يرتكبها الجيش السوداني سواء بنفسه أو عبر حلفائه الذين تم تكليفهم بهذه المهمة داخل المجتمعات المدنية ونسبها لجنود قوات الدعم السريع. وعلى الرغم من أن هذه الأداة كانت فعالة لبعض الوقت، ولكن كعادة المكر السيئ الذي يحيط بصانعه، سرعان ما انكشف هذا السلوك أمام الجميع.

المرحلة الثانية من الحرب شهدت بعض المتغيرات، حيث جاءت بعض الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا وقررت دون وعي أو إدراك أن تقحم نفسها في قتال لم تكن قادرة على مواجهته مقابل حفنة من الدولارات كان بإمكانها أن تجنبها وبالتالي تجنب مناطق كانت تعاني من ويلات الحرب منذ عقود. كان تدخل هذه الحركات جزءًا من الاستراتيجيات التي عملت عليها القوات المسلحة السودانية جاهدةً معتقدةً أنها تستطيع إبعاد الحرب عن المناطق المركزية التي ظلت تصدر الحروب منذ عام 1956م.

كما شهدت الحرب السودانية انتهاكات مخزية حيث قامت القوات المسلحة السودانية بقتل الشعب ثم المشي على جثثهم، وأجبرت النساء على ممارسة الجنس مقابل الطعام، متجاهلة كل الأعراف والحقوق الإنسانية، واستخدم الجيش نفسه سلاح الطيران لضرب المواطنين العزل في قراهم ومدنهم الآمنة، وأيضا أغلق كل المعابر ومنع وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين والمتضررين.

في المقابل كانت قوات الدعم السريع أكثر اتزاناً وأكثر أخلاقية في خوض معركتها التي اعتبرتها معركة تحرير ستؤدي إلى إنهاء حقبة الديكتاتوريات التي شهدها السودان عبر تاريخه المظلم، وبالتالي إقامة دولة العدل، واعتبر كثير من المراقبين أن هذا هو سبب قوة وانتصارات قوات الدعم السريع. فبالإضافة إلى الانتصارات القتالية، حققت قوات الدعم السريع انتصارات معنوية كبيرة لاقت قبولاً وتقديراً من القوى المدنية المحلية والمجتمع الدولي الذي ظل يبحث عن سبل وقف هذه الحرب.

سعى العديد من الوسطاء الإقليميين والدوليين لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتحاربة عبر عدة منابر قد تكون معروفة للجميع، وفي كل هذه الوساطات التي سعت للتقريب بين الأطراف المتحاربة من أجل تخفيف معاناة الشعب السوداني، وفي كل هذه الوساطات نجد أن قيادة قوات الدعم السريع هي أول من يقبل بالحلول المقترحة، بينما يأتي التعنت الواضح وعدم القبول من وفد القوات المسلحة السودانية. وقد أدت هذه الاستجابة السلبية من الجيش السوداني إلى إطالة أمد الحرب ومضاعفة الخسائر الناتجة عنها، كما أدت إلى زيادة خسائر الجيش نفسه وتضييق فرصه، ومع استمرار الحرب قد لا يجد الجيش السوداني ما يتفاوض بشأنه. لذلك لا تزال أمامه فرصة اليوم قد لا يجدها غداً.

لقد كانت محادثات جنيف الأخيرة عودة لطاولة المفاوضات بعد توقف طويل، ورغم أن القضايا التي تم تناولها اقتصرت على كيفية إيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، إلا أنها تعتبر منبراً جيداً يمكن تطويره إلى وقف دائم لإطلاق النار والانخراط في عملية سياسية تنهي معاناة السودان وشعبه. وكالعادة، لم تبدِ القوات المسلحة السودانية أي مرونة تجاه هذه المحادثات، بينما حققت قوات الدعم السريع مكاسب كبيرة بالتزاماتها للأمم المتحدة بإيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين.

بعد أيام قليلة من انتهاء محادثات جنيف، دعا وزير الخارجية الأميركي الطرفين المتحاربين إلى استئناف منتدى جنيف برعاية سعودية – أميركية للبدء في مفاوضات من شأنها وقف إطلاق النار وتخفيف معاناة الشعب السوداني بالتوصل إلى حل شامل. وقد لاقت هذه الدعوة قبولاً فورياً من قيادة قوات الدعم السريع منذ البداية، بينما ظل الطرف الآخر يماطل حتى هذه اللحظة. وقد تعتبر هذه الدعوة بمثابة الفرصة الأخيرة التي قد تحصل عليها القوات المسلحة السودانية، وفي حال رفضها قد تكون العواقب وخيمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار