السودان

أسماء الحسيني تكتب .. آمال السودان معلقة على جنيف

بينما تتكاثر النظريات حول محاولة اغتيال البرهان، تتساءل أسماء الحسيني عما إذا كانت محادثات جنيف المقبلة قد تحقق السلام الذي يحتاجه السودان

لا تزال محاولة اغتيال قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قبل أكثر من أسبوع في حفل تخريج ضباط الكلية الحربية في مدينة جبيت شرقي السودان محاطة بالغموض. ولا يستطيع الخبراء ولا عامة الناس تفسير حقيقة ما حدث بينما يندفع السودان نحو الهاوية بعد 16 شهرًا من الحرب الأهلية.

وأثارت محاولة الاغتيال موجة من التساؤلات حول تداعياتها، خاصة فيما يتصل بالمفاوضات المقبلة المقرر عقدها في 14 أغسطس/آب الجاري بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في جنيف، بدعوة من الولايات المتحدة.

وسارع العميد نبيل عبد الله، المتحدث باسم الجيش، إلى توجيه أصابع الاتهام إلى قوات الدعم السريع، قائلاً إن طائراتها بدون طيار كانت وراء الهجوم الذي أسفر عن مقتل خمسة ضباط. وقال أنصار هذه النظرية إن قوات الدعم السريع هددت سابقًا باستهداف قادة القوات المسلحة السودانية وأنها كانت تحاول زعزعة استقرار السودان وخلق فراغ في السلطة بقتل البرهان.

وأضافوا أن قوات الدعم السريع تستخدم بشكل متزايد طائرات بدون طيار لمهاجمة مواقع عديدة في جميع أنحاء السودان، سعياً لاستهداف بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للبلاد، لتوسيع نطاق الحرب إلى الشرق. وأشاروا أيضاً إلى أن ضربات الطائرات بدون طيار في مناطق مثل النيل الأبيض والقضارف وعلى طول نهر النيل تؤكد نظريتهم.

ونفى المستشار القانوني لقائد قوات الدعم السريع، محمد المختار، تورط قواته في محاولة اغتيال البرهان، مشيرا إلى أن الهجوم قد يكون مرتبطا بتنافسات داخلية بين الإسلاميين أو الجنرالات.

وعزا الباشا الطبيق، وهو مستشار آخر لقائد قوات الدعم السريع، محاولة الاغتيال إلى تهديد صادر عن لواء البراء، وهي مجموعة من الشباب الإسلاميين المتحالفين مع الجيش. ورفضت أصوات داخل قوات الدعم السريع فكرة وقوفها وراء محاولة الاغتيال، قائلة إن قوات الدعم السريع ليست ساذجة إلى الحد الذي يجعلها تعتقد أن وفاة البرهان ستشير إلى نهاية الصراع.

وأشار خبراء سودانيون إلى أن الإسلاميين المرتبطين بنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، سواء كانوا في الجيش أم لا، دبروا الهجوم للضغط على البرهان للامتناع عن محادثات السلام في 14 أغسطس/آب، إما لأن لديهم تحفظات على سياساته أو بسبب الضغوط الأجنبية التي مورست على الجيش السوداني.

وبعد نصف ساعة من محاولة اغتياله، ألقى البرهان كلمة أمام الضباط المتخرجين، وزار الجرحى في مستشفى جبيت، وتجول في السوق المحلية قبل مغادرته إلى بورتسودان. وقال البرهان في كلمته: “إن الجيش السوداني لن يتفاوض مع قوات الدعم السريع، ولا يخاف الطائرات بدون طيار أو الموت، وسيواصل القتال حتى تخليص الوطن من المتمردين والمرتزقة… الجيش عازم على سحق الميليشيات. معركتنا مستمرة ضد العدو. لن نتنازل أو نتفاوض مع أي طرف”.

وجاءت محاولة اغتيال البرهان في ظل جهود دولية تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون للتوسط في مفاوضات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. وألقى الهجوم بظلاله على آفاق محادثات السلام، التي كانت متوقعة كخطوة حاسمة نحو وقف إطلاق النار وإعلان عودة السلام في السودان. لقد دمر الصراع المطول والمدمر البلاد، وأودى بحياة ما يقدر بنحو 150 ألف شخص وفقًا للمنظمات الدولية وأثار أكبر أزمة نزوح على وجه الأرض. ومما زاد من تفاقم هذه المصاعب أن السودان يعاني من أشد مجاعة منذ أربعة عقود.

ولم تكن هذه المحاولة الأولى لاغتيال البرهان، فمنذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، حاولت قوات الدعم السريع مراراً وتكراراً القضاء على البرهان وسط حالة من الهشاشة الأمنية وتضارب الأجندات داخل صفوفه، حيث يؤيد البعض استمرار الحرب بينما يسعى آخرون إلى التفاوض.

وتتمثل المخاوف في أن تؤدي محاولة الاغتيال إلى تقوية موقف القوات المسلحة السودانية في جنيف. وقد أعربت قوات الدعم السريع عن استعدادها للمشاركة في هذه المحادثات منذ البداية، متهمة الجيش بالمناورة لتجنب المفاوضات.

وربطت جهة البرهان مشاركتها في المفاوضات بتنفيذ الاتفاقيات الموضحة في إعلان جدة في مايو/أيار 2023، بما في ذلك انسحاب قوات الدعم السريع من المناطق المدنية ومنازل السكان. ويبدو أن الجيش يهدف إلى المشاركة في المفاوضات ككيان حاكم ولا يريد بدء المحادثات من جديد، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى إضفاء الشرعية على الوجود المكثف لقوات الدعم السريع في جميع أنحاء السودان، وبالتالي تقويض مكانته في المفاوضات.

إن هذه الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة حاسمة، ويمكن أن تكون بمثابة إنجاز محوري للإدارة الأمريكية كأصل استراتيجي في المنافسة الانتخابية الساخنة بين المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب.

وهناك قلق ملموس بشأن ما إذا كانت الضغوط الأميركية، المدعومة بالتعاون المكثف مع المملكة العربية السعودية وسويسرا ومصر والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في إفريقيا والأمم المتحدة، قد تسفر عن نتائج إيجابية للسودان. ففي الأسابيع الأخيرة، بذلت هذه الأطراف جهودا دبلوماسية لتعزيز احتمالات نجاح مفاوضات جنيف المقبلة. وكانت المحادثات غير المباشرة السابقة التي عقدت بين الجيش وقوات الدعم السريع تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف قبل بضعة أسابيع قد فشلت في تحقيق نتائج ملموسة في معالجة الأزمة الإنسانية المروعة، مع استخدام أشد الأسلحة فتكاً وتهديد شبح المجاعة لخمسة وعشرين مليون شخص.

ومن المأمول أن تمارس مفاوضات جنيف المقبلة ضغوطاً على الطرفين لوقف الأعمال العدائية، وإنشاء ممرات إنسانية، وضمان وصول المساعدات دون عوائق لتجنب المجاعة، وحماية المدنيين، وإنشاء آليات مراقبة قوية قبل الانتقال إلى عملية سياسية جوهرية. وفي حين يعتقد كثيرون أن الضغط الخارجي وحده قادر على وقف الصراع، فإنهم يخشون ألا تتحقق النتائج المقبلة في جنيف.

وتشهد مفاوضات جنيف تعقيدات بسبب التحالفات الداخلية والخارجية للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حيث يتحفظ كل طرف على الحلول المحتملة التي قد تعرض مصالحه للخطر. ولا يبدو أن أي طرف يتأثر بالكارثة الإنسانية غير المسبوقة أو عواقبها الوخيمة على حياة السودانيين ومستقبل البلاد.

إن الوضع الحالي لا يهدد السودان وشعبه فحسب، بل إنه يضر بمصالح دول أخرى. وليس من المستبعد أن يتم التدخل الدولي لحماية المدنيين السودانيين إذا تعثرت محادثات جنيف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار