السودان

دارفور: وفاة طفل كل ساعتين جراء الجوع بسبب سرقة إغاثة الإقليم واتهامات لمناوي وجبريل (1 – 2)

تحقيق: عبد الرحمن العاجب

في الوقت الذي يموت فيه الأطفال يومياً جراء الجوع بالمئات في معسكرات النازحين بدارفور، لازال وزراء حكومة إقليم دارفور، وعلى رأسهم الحاكم “مني أركو مناوي”، ووزيري المالية والتنمية الاجتماعية، وموظفي مكاتبهم يتنعمون ويترفهون باسم وحقوق شعب دارفور، وتفيد المتابعات إن هؤلاء الوزراء وموظفي مكاتبهم تجاوز عددهم “200” موظف، يقيمون في مدينة بورتسودان، يستأجر كل واحد منهم شقة بمبلغ “15” مليار ونصف شهرياً، في الوقت الذي يتقاضى فيه الوزير راتب شهري “200” ألف جنيه فقط.

اتهامات لجبريل ومناوي:

وبالتوازي مع الحرب الدائرة في السودان، برز إلى السطح مؤخراً تفشي ظاهرة التلاعب في مواد الإغاثة الموجهة إلى الأقاليم المنكوبة. وكشفت المتابعات عن تجاوزات في الإغاثة المتجهة إلى إقليم دارفور، وحتى الآن، تلاحق التهم وشبهات الفساد وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، ووزارة التنمية الاجتماعية، بجانب حكومة إقليم دارفور.

ويمكن القول إن المتهمين الأساسيين هم “جبريل إبراهيم”، و”أحمد أدم بخيت”، و”مني أركو مناوي”، بجانب وزير الصحة والتنمية الاجتماعية بحكومة إقليم دارفور “بابكر حمدين”، و”نجم الدين موسى”، مفوض العون الإنساني الذي تمت اقالته في وقت سابق. فيما تشير أصابع الاتهام إلى عدد من الأسماء منها المهندس “عبد الباقي محمد”، مدير الرعاية الاجتماعية بحكومة إقليم دارفور، و”عباس يوسف”، مفوض مفوضية العون الإنساني بولاية شمال دارفور، بجانب “محمد يوسف”، مدير الإعلام والعلاقات العامة بوزارة الرعاية الاجتماعية، والذي ظل يتستر على الدوام على قضايا الفساد التي تلاحق الوزارة.

وتفيد المتابعات بأن ولايات “شرق وجنوب ووسط وغرب دارفور”، ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم في الخامس عشر من أبريل الماضي – أي لفترة عشرة أشهر – لم تصلها الإغاثة، وبسبب النقص في الغذاء والدواء ظل عدد كبير من مواطني دارفور يموتون يومياً.

وفاة طفل كل ساعتين:

 في السياق كشفت منظمة “أطباء بلا حدود” في الخامس من فبراير الماضي النقاب عن وفاة طفل كل ساعتين، في معسكر زمزم للنازحين بولاية شمال دارفور بسبب سوء التغذية، داعية إلى استجابة إنسانية واسعة لتوفير الطعام للنازحين. وقالت منظمة أطباء بلا حدود في بيان صادر عنها، إن أزمة سوء التغذية في معسكر زمزم بشمال دارفور تتطلب استجابة إنسانية عاجلة، حيث يموت طفل كل ساعتين. ودعت المنظمة للتعبئة الجماعية للمجتمع الدولي، وتوسيع نطاق الاستجابة الإنسانية بشكل فوري ومنسق من أجل إنقاذ الأرواح، وأكدت أن تقييماً سريعاً للتغذية والوفيات أجرته منظمة أطباء بلا حدود، كشف عن وضع كارثي في مخيم “زمزم”، منذ بدء النزاع في السودان في أبريل الماضي، مشيرة إلى أنه تم الوصول لجميع مستويات الطوارئ الخاصة بسوء التغذية.

أوضاع كارثية في معسكر زمزم:

ونقل البيان عن “كلير نيكوليت” رئيسة الاستجابة لحالات الطوارئ في منظمة “أطباء بلا حدود” في السودان، تأكيدها أن “ما نراه في مخيم زمزم هو وضع كارثي تماماً، وتشير التقديرات إلى أن طفلاً واحداً على الأقل يموت كل ساعتين في المعسكر” وأضافت أن “أولئك الذين يعانون من سوء التغذية الحاد والذين لم يموتوا بعد، أكثر عرضة للوفاة في غضون ثلاثة إلى ستة أسابيع إذا لم يحصلوا على العلاج، وحالتهم قابلة للعلاج إذا تمكنوا من الوصول إلى منشأة صحية”.

 وأشار البيان إلى أن منظمة “أطباء بلا حدود”، هي مقدم الرعاية الصحية الوحيد العامل في معسكر زمزم، وهو أحد أكبر وأقدم مخيمات النازحين في السودان ويضم أكثر من “400” ألف نازح جراء الحرب في الإقليم منذ العام “200‪3″، بين حكومة الإنقاذ وحركات دارفور المسلحة.

وفي سياق متصل كشف والي غرب دارفور المكلف “تجاني كرشوم”، عن أن ولايته شهدت كوارث إنسانية قاسية جداً ومأسوية، منذ اندلاع الحرب في السودان. وأكد “كرشوم” إن ولاية غرب دارفور منذ اندلاع الحرب – ولفترة عشرة أشهر – لم تتلقى أي دعم من المؤسسات الاتحادية، ولم تتلقى أي إغاثة من الجهات المسؤولة من توفير وتوصيل الإغاثة للولايات المنكوب، وأضاف قائلاً:(مع العلم ان هناك دعم كبير تقدم من المنظمات الدولية والخيرين من أصدقاء الشعب السوداني، لكن للأسف لم يصلنا ولا فتيل دواء واحد علما بأننا من أكثر الولايات تضررا من الحرب)، مشدداً على ضرورة ان يتعامل المسؤولين بعدالة، لجهة إن الإنسانية لا تتجزأ).

نكبتان في ولاية غرب دارفور:

وأشار “كرشوم” إلى إن “ولاية غرب دارفور” شهدت نكبتين، النكبة الأولى صراع قبلي استمر لأكثر من شهرين، أما النكبة الثانية فهي المواجهة التي تمت في “أردمتا”، بين الجيش والدعم السريع، مؤكداً إن المواجهتين أفرزتا واقع إنساني صعب جدا فيه معاناة كبيرة جدا للمواطنين، موضحاً أن حوجة الولاية كبيرة، لجهة إن الجميع محتاجين للمساعدات الإنسانية. وقطع “كرشوم” بأن الأوضاع الإنسانية بولاية وسط دارفور أسوأ بكثير من غرب دارفور، ونبه لظهور حالات “سوء التغذية” للأطفال والأمهات في الولايتين بسبب نقص الغذاء، موضحاً إن الوضع الإنساني في الولايتين صعب للغاية، مؤكداً عدم وصول الإغاثة لولايتي غرب ووسط دارفور، وحمل حكومة إقليم دارفور والحكومة المركزية في بورتسودان، مسؤولية عدم وصول الإغاثة للولايتين.

وطالب “كرشوم” بإطلاق نداء عاجل لوكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية واصدقاء السودان من الدول العربية والأفريقية والإسلامية، للتدخل بشكل عاجل للمساهمة في إنقاذ الموقف، وشدد على ضرورة أن يتم التعامل مع كل الشعوب وفقاً للقانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية، باعتبار أن الإنسانية لا تتجزأ، وطالب بالتدخل السريع والعاجل في كل إقليم دارفور حتى لا تحدث مجاعة في الإقليم المنكوب بسبب النقص الكبير في الغذاء، مناشداً الجيش والدعم السريع للاتفاق على الممرات الإنسانية، بغرض وصول الإغاثة لولايات دارفور من أجل إنقاذ الموقف الحالي، ومن ثم وقف الحرب.

انعدام الممرات الآمنة:

في المقابل أكد مدير الإعلام بوزارة التنمية الاجتماعية د.”محمد يوسف”، إن الإغاثة لم تصل لإقليم دارفور – باستثناء ولاية شمال دارفور – وزاد:(بالنسبة للإغاثة في الإقليم، الصحيح هو أن كل الولايات لم تتحصل على حصتها من الإغاثة، والسبب هو انعدام الممرات الآمنة، فضلا عن ان تلك المناطق تعتبر مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع). ولكنه عاد وقطع بأن كل الحصص الخاصة بتلك الولايات موجودة في مدينة الفاشر منذ وقت طويل، وأوضح ان هنالك دواء كان مخصص للجنينة تم إيصاله لتشاد لصالح اللاجئين هناك وتم ذلك بالتنسيق بين حكومة الإقليم وبعض المنظمات، وعاد “يوسف” واعترف بتوزيع جميع المواد الغذائية الخاصة بولايات دارفور الأخرى “شرق، جنوب، وسط، وغرب دارفور” لولاية شمال دارفور، باعتبار إن “صلاحياتها محددة”.

وصول المساعدات لبورتسودان:

وتفيد المتابعات أن مواد الإغاثة الإنسانية تدفقت إلى مدينة “بورتسودان” منذ اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم منتصف أبريل الماضي جوًا وبرًا من مصادر عدة، وبلغت جملة المساعدات الإنسانية في أول شهرين من اندلاع الحرب “2290” طناً، وفقاً لمستند أعدته اللجنة العليا لمعالجة الأوضاع الإنسانية.

 وتشمل المساعدات المواد الغذائية والطبية والإيوائية، مقدمة من عدة جهات أبرزها المملكة العربية السعودية، عبر “مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية”، والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت والأردن ومصر والبحرين وتركيا والهند والصين وروسيا، إضافة إلى الصليب الأحمر، ومنظمة الصحة الدولية ومنظمة اليونيسيف، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة أطباء بلا حدود.

من جانبه اعترف “جمال النيل عبد الله”، رئيس اللجنة المتخصصة للطوارئ الإنسانية التي يقع على عاتقها حصر وتخزين وتوزيع الإغاثة، بإنّ المساعدات المقدمة من الدول العربية بين شهري مايو وسبتمبر بلغت “70” ألف طن، إضافة إلى “67” ألف طن مستلمة من الأمم المتحدة، و”3.3″ ألف طن قدمتها الدولة.

الإغاثة تباع في أسواق بورتسودان:

ورغم وصول آلاف الأطنان من المساعدات الغذائية والطبية والإيوائية لمدينة بورتسودان، إلاّ أن مئات الآلاف من النازحين في إقليم دارفور لم يحصلوا على الإغاثة، بينما يُشاهدون كيف يتم تسريبها وبيعها في الأسواق.

 وأفاد مصدر فضل حجب اسمه:(تأتي السيارات محملة بالمواد الغذائية والخِيام، يدخلونها إلى المخازن ثمْ يخرجونها ليلاً ونجدها في الأسواق صباحاً). وبحسب المصدر فإن هناك مساعدات إنسانية (بعضها مكتوب عليه “غير مخصصة للبيع”) ولكنها معروضة للبيع في الأسواق.

وكشف مصدر واسع الاطلاع من مدينة “الفاشر” فضل حجب اسمه، عن معلومات تفيد بأن هناك عربتين ” Z S ” كانت مخزنة في مدينة الكومة منذ شهر أغسطس الماضي، وفي شهر يناير الماضي تم توزيع المواد الإغاثية الموجودة بالعربتين في عربات صغيرة، وادخالها إلى جنوب مدينة الفاشر ومعسكر زمزم ومنطقة تُربة، ومن ثم إدخالها إلى الأسواق ثم بيعها.

وأكد ذات المصدر ان المدير التنفيذي لمحلية “كُتم” بولاية شمال دارفور، قام في شهر أكتوبر الماضي ببيع عدد “2200” جوال دقيق من الإغاثة القادمة من المملكة العربية السعودية، والمخصصة لمدينتي كُتم وفتابرنو، ومعسكر كساب للنازحين، بدلاً عن تسليمها لمستحقيها، بعد استلام الكمية المذكورة بمدينة الفاشر.

وبحسب ما أفاد المصدر، فإن المدير التنفيذي تعلل بانعدام التأمين للطريق بين الفاشر ومدينة كُتم، ليقوم لاحقاً ببيع الإغاثة بمبلغ تسعة وثلاثون مليون وستمائة ألف جنيه، دون علم أو تفويض من المستحقين. وأشار المصدر إلى أن المدير التنفيذي لمحلية كتم “اسماعيل رابح يعقوب”، طالب بتسوية الأمر. لكن أصحاب الحق تمسكوا بإعادة الدقيق المسروق دون أي تنازل أو تسوية، وتفيد المتابعات أن المواطنين بمدينة كتم ومعسكر كساب للنازحين، يعيشون ظروفاً إنسانية صعبة، ويشتكون من شح الغذاء وعدم وصول المساعدات الإنسانية إليهم، منذ اندلاع الحرب وحتى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار