السودان
النور حمد: أداء قوات الدعم السريع كان أفضل بكثير من أداء الجيش منذ انطلاق الرصاصة الأولى.
شدد الكاتب والمفكر والقيادي بالحزب الجمهوري النور حمد في حوار لـ”راينو” على أنه لن يكون هناك نصر حاسم في حرب 15 أبريل بين الجيش والدعم السريع في السودان، معتبرا أن جانبا منها حرب وكالة تسهم فيها قوى خارجية من الإقليم مؤكدا أن الجيش هو العلة التي أقعدت نهضة السودان، منوها إلى أن السياسيين في كل الانقلابات العسكرية التي حدثت في السودان هم من جر الجيش لاستلام السلطة، واستدرك: لكن للجيش أيضا علله البنيوية وشهوته للحكم وتاريخه الطويل منذ العهد الخديوي الذي جعل منه عدوا للشعب.
(*) في تقديرك ما سبب عدم استقرار السودان واندلاع الحرب الحالية؟
اتسم الأداء السياسي للقوى السودانية المختلفة، منذ الاستقلال وإلى اليوم بسوء إدارة للدولة، وبالنظر إلى موارد الدولة كغنيمة يحتكرها الممسكون بمفاصل السلطة والثروة وقد نتج من ذلك فساد مؤسسي كبير، في قسمة السلطة والثروة. كما نتج عنه فشل ذريع في التنمية الاقتصادية. وإذا أضفنا إلى ذلك سوء إدارة التنوع، وتضليل للجمهور باسم الدين، سواء من القوى الطائفية، ومن جماعة الإسلام السياسي، والنزوع إلى الانقلابات العسكرية كوسيلة لاحتكار السلطة، وهو عمل شارك فيه اليمين واليسار السوداني معا، فإن كل ذلك ما كان ليقود أصلا إلا إلى كارثة الحرب الضروس الجارية الآن.
هذه الحرب هي آخر طلقة في كنانة الحركة الإسلامية وضباطها الذين أصبحوا أباطرة للمال
هذه الحرب هي آخر طلقة في كنانة الحركة الإسلامية وضباطها الذين أصبحوا أباطرة للمال
(*) إلى أي مدى تشكل حرب 15 ابريل نقطة تحول جوهرية في تاريخ بناء الدولة السودانية، ومعالجة كافة القضايا؟
هذه الحرب سوف تشكل منعطفا تاريخيا في مسيرة الدولة السودانية لحقبة ما بعد الاستقلال فحقبة ما بعد الاستقلال كانت في جملتها، وماتزال، حقبة سوداء اتسمت بالظلم وبالفشل وبالتهريج السياسي، وبالتراجع المستمر في كل شيء، عبر ما يقارب السبعون عاما. ويقول التاريخ إن حقب الفشل قد تستمر في حياة الشعوب، في بعض الحيين، لزمان طويل جدا، لكنها تصطدم في النهاية بحائط صد ينهيها. وغالبا ما تكون الحرب هي المعبر الذي يسوق الشعوب، التي فقدت نخبها البوصلة، الى حالة التعافي المطلوبة. يحدث ذلك بعد أن يستقين المنخرطين في الحرب أنها لا تأتي بالحل. فكل ما تفعله الحرب هي أنها توقظ العقول والضمائر التي أنامها أصحابها لوقت طويل، لتقوم بفعل ما ماطلت في القيام به منذ البداية. باختصار شديد، هذه الحرب هي آلام المخاض المر لميلاد وطن جديد غير ذلك الذي عرفناه منذ الاستقلال. لكن قد يطول هذا المخاض جدا وقد يقصر. ولن يقصر هذا المخاض المؤلم مالم تعترف النخب العسكرية والسياسية التي أدارته أنها أجرمت في حقه.
حقبة ما بعد الاستقلال كانت في جملتها، وماتزال، حقبة سوداء اتسمت بالظلم والفشل
حقبة ما بعد الاستقلال كانت في جملتها، وماتزال، حقبة سوداء اتسمت بالظلم والفشل
(*) ثمة تحولات كبرى حدثت في الحرب، أبرزها تحول النقاش من أجندة إصلاح الجيش ودمج الدعم السريع إلى الحديث عن تأسيس وبناء جيش جديد ما هي دوافع ذلك وإمكانية تحقيقه؟
كان الجيش هو العلة التي أقعدت نهضة هذا البلد وكان السياسيون في كل الانقلابات العسكرية التي حدثت في السودان هم من جر الجيش لاستلام السلطة. لكن، للجيش أيضا علله البنيوية وشهوته للحكم وتاريخه الطويل منذ العهد الخديوي الذي جعل منه عدوا للشعب. وجعل أفراده يشعرون بأنهم فئة خاصة وأنهم أعلى قدرا من المدنيين الذين يدفعون لهم رواتبهم وأنهم هم الأحق بإدارة شؤون البلاد، بحجة أنهم هم الذين يحمونها ويوفرون لها أمنها. و-بحمد الله- فضحت هذه الحرب أكذوبة الحماية هذه وعرتها تعرية ما بعدها تعرية. فالجيش لم يوفر الأمن ولا لمواطن واحد في هذه الحرب وكل القوى الأخرى التي جعلها تحت قبضه عبر سنوات حكم الميزان كالشرطة والأمن والدفاع المدني ابتلعتها الأرض مع انطلاق أول رصاصة وجعلت المواطنين يواجهون مصيرهم. أيضا، هذا الجيش الذي لم يقتل منذ الاستقلال سوى مواطنيه تحول قادته إلى أباطرة مال وإلى عصابة ناهبة للموارد، ودونكم حديث الفريق ياسر العطا عن المسالخ والمخابرات المصرية. لقد أنشأ الجيش الذي سيطرت عليه الحركة الإسلامية عبر العقود الماضية دولة موازية لا سلطة لوزارة المالية ولا للمراجع العام سلطة رقابية عليها. جيش يعمل في تهريب الذهب وغيره عبر مختلف المنافذ البرية والجوية. جيش ترك مهامه وأصبح ضباطه مديرين لشركات تتاجر في المواد المواد الغذائية. وقد شاركت قوات الدعم السريع التي أنشأها الجيش في كل هذه الصفات.
الإسلاميون المتطرفون في الجيش يخلطون العمل العسكري بتأييد سماوي متوقع
الإسلاميون المتطرفون في الجيش يخلطون العمل العسكري بتأييد سماوي متوقع
(*) وفي تقديرك ما الحل؟
خلاصة القول، لن يكون الحل بدمج الدعم السريع في الجيش، ولا دمج الحركات المسلحة فيه، وإنما بإنشاء جيش جديد تماما؛ جيش غير مؤدلج ليس له أي دور في السياسة ولا في إدارة شؤون البلاد جيش يخضع تمويله لتشريعات البرلمان المنتخب. وتخضع قراراته المتعلقة بالسلم والحرب لوزير الدفاع المدني، ولرئيس الوزراء. جيش مهني يجري تدريبه على مفاهيم وأسس جديدة وله عقيدة يحكمها الدستور والنظام الديموقراطي، تنحصر في الدفاع عن حدود البلاد وسمائها ومائها.
(*) فتحت الحرب أبوابا واسعة للنقاش بين السودانيين والنخب الفكرية على وجه الخصوص إلى أي مدى يسهم ذلك في بلورة وبناء مشروع وطني بأجندة جديدة لصالح كل السودانيين؟
هذا هو المفترض أن يحدث، وهو إدارة حوار موسع حول بلورة مشروع وطني جديد للبناء الشامل متعاف تماما من علل الماضي المتمثلة في الاستقطاب والشقاق. لكن، لقد زادت هذه الحرب من حدة الاستقطاب. فهذه الحرب هي آخر طلقة في كنانة الحركة الإسلامية وضباطها الذين أصبحوا أباطرة للمال والأعمال، في إبقاء السلطة في أيديهم. ولذلك، فإن المعركة فيها معركة كسر عظام. ولقد بلغ الاستقطاب الآن قمته بفعل الشحن الإعلامي. ولذلك، قد تطول هذه الحرب جدا، وقد تقصر. لكن لن يتاح المجال قط لبلورة مشروع وطني نهضوي، إلا بإعادة السلطة للمدنيين وإبعاد السلاح تماما عن صراع السياسة.
هذه الحرب هي آلام المخاض المر لميلاد وطن جديد غير ذلك الذي عرفناه منذ الاستقلال
هذه الحرب هي آلام المخاض المر لميلاد وطن جديد غير ذلك الذي عرفناه منذ الاستقلال