السودان

التدخل الدولي في السودان .. الإمكانية والاحتمالات

تقرير: راينو

تعنت جديد، ورفض مغلف للحوار والتفاوض أعلنته وزارة الخارجية السودانية يوم الأحد الماضي، باشتراطها الالتزام بمخرجات “منبر جدة”، وانسحاب قوات الدعم السريع من المُدن، وإخلاء ولاية الجزيرة، باعتبارها مقدمات “ضرورية” في التوصل لوقف إطلاق النار، ومن ثم البدء في عملية سلام شاملة، بحسب البيان.

وتزامن إعلان الخارجية مع تصاعد العمليات العسكرية بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع في مختلف المناطق والمدن السودانية، فضلاً عن كثافة الطلعات الجوية، الأمر الذي فسره البعض بأنه عنوان واضح لاستمرار الحرب، وانهيار أي مشاريع لتحقيق السلام. فهل يفتح ذلك الباب أمام التدخل الدولي في السودان، لوقف الحرب التي باتت تشكل تهديداً للإقليم؟

قديم متجدد:

وأشار عدد من المراقبين والسياسيين تحدثت إليهم “راينو”، إلى أن بيان الخارجية لم ينفصل عما جرت عليه العادة منذ اندلاع القتال في 15 أبريل، ولا جديد في موقفها الدائم المساند لاستمرار الحرب التي يقودها فلول النظام المباد، والساعين لتوسيع نطاقها بعمليات التحشيد والتجييش الشعبي، ونقلها إلى مربع الحرب الأهلية.

وجاء بيان الخارجية في أعقاب ما وصف بالخطاب الانفعالي لقائد الجيش “عبد الفتاح البرهان” في منطقة “جبيت العسكرية”، والذي أعلن فيه رفضه الاتفاق الموقع بين القوى المدنية وقوات الدعم السريع، ووجه رسالة للقوى المدنية قائلاً:(نقول للسياسيين الذين وقعوا اتفاقا مع الدعم السريع أنتم مخطئون. اتفقتم مع جهة متمردة، ومع جهة نعتبرها خارجة عن القانون، والعالم يعدها جماعة إرهابية). وتابع:(تريدون أن تأتوا بهم إلينا من جديد، الاتفاق المبرم معهم بالنسبة لنا غير مقبول، ولن نلقي له بالا)، قبل أن يعود “البرهان” ليقول أنه يرحب بالحوار مع القوى السياسية، ودعاهم للحضور إلى “بورتسودان”، وأضاف:(أي سوداني يريد إيقاف الحرب ويريد مصلحة السودان ويعيد للسودانيين مكانتهم، لا مانع لدينا من الحديث معه) .

إغلاق باب الحوار:

وتذهب التحليلات إلى أن الهدف من خطاب الخارجية وقبله خطاب البرهان هو إغلاق الباب أمام أي حوار “سوداني – سوداني”، بعد الاختراق الذي حققته “تقدم” بتوقيع اتفاق أديس أبابا مع قائد قوات الدعم السريع، وتوجه الأنظار لقائد الجيش للقبول أيضاً بالجلوس والتفاوض والحوار.

ويرى المحلل السياسي والقانوني “هيثم محمد أحمد أبا الزين” في حديثه لـ”راينو”، أن معسكر البرهان المكون من العسكريين الإسلاميين وفلول النظام البائد والخارجية يقولون “كلمة حق أريد بها باطل” وأضاف:(حينما تم انتظارهم في جدة للحضور والتوقيع سحبوا وفدهم، وحينما سعت الأطراف السودانية كقوى مدنية ومهنية وغيرها للجمع بين الأطراف في إطار مجهودات “سودانية – سودانية”، رفضوا بحجة ضرورة الالتزام بمنبر جدة. إذن هو تلاعب يكشف بوضوح نوايا معسكر “البرهان” وحرصه على استمرار هذه الحرب التي يظن أن بعدها يمكن لهم أن يعودوا إلى الحكم، أو أن يقودون السودان إلى فوضى لا تبقي ولا تذر).

وكان رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) د. “عبد الله حمدوك” قد بعث بخطاب إلى “البرهان” الأربعاء الماضي، يحثه على لقاء التنسيقية للبناء على إعلان “أديس أبابا” بما يمهد لإنهاء الحرب، وقال حينها إن الاتفاق يمثل “لبنة مهمة لوقف القتال”.

الهزيمة والحصار:

وفي أعقاب خطاب البرهان الموصوف في وسائط التواصل الاجتماعي بـ”المتشنج”، و”الخارج عن قواعد الادب”، وبعد بيان الخارجية، بدا المشهد السوداني معقداً، ويتجه نحو منعطفات أكثر حساسية، تمس بقاء ووجود الدولة السودانية نفسها، في ظل أسئلة ملحة تدور حول (ما الحل؟).

الإجابة جاءت فيما نقله عضو تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) “بكري الجاك” في ندوة بكمبالا، عن قائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان دقلو” وقوله إن “حميدتي” على قناعة بأن الجيش ومن خلفه الإسلاميين لن يوقعوا على سلام، دون حصار دبلوماسي دولي، أو هزيمة عسكرية.

ويرى “هيثم أبو الزين”، أن حديث “حميدتي” يعكس قراءته الدقيقة لطريقة تفكير الفلول في هذه الحرب، ومدى تمسكهم بها باعتبارها طوق النجاة بالنسبة لهم. أي أنها بالنسبة للإسلاميين حرب “وجودية”، وأضاف:(حميدتي رغماً عن كونه متقدم ميدانياً، إلا أنه يُدرك أن الهزيمة العسكرية فقط لا تكفي، لذا استبق أي لقاء له محتمل مع “البرهان”، بجولة أفريقية مهمة لترويج رؤيته للحل وإنهاء الحرب، كما أنه وقع مع “القوى المدنية السودانية” اتفاقاً، يعكس رغبته في إيقاف الحرب).

 وتابع:(يبدو إن نجاح الجولة التي نسفت كل إشاعات وفاته، والاستقبال الذي وجده رسمياً استفز “البرهان”، وجعله يصل أعلى درجات الانفعال، بل وأصاب خارجيته بالارتباك، حد توجيه استدعاءات متكررة لسفرائها في الدول التي زارها “حميدتي”، وهم من ظنوا لوقت طويل أنهم استطاعوا اقناع دول الإقليم، بأنهم يمثلون شرعية الدولة، في مقابل ميليشيا متمردة. فكانت الصفعة في أن دول الإقليم والمجتمع الدولي يتعامل مع الطرفين باعتبارهما طرفي صراع، أو حرب.

التدويل واحتمالاته:

من جانبه يذهب “بكري الجاك” في حديثه بندوة كمبالا، إلى أن الهزيمة العسكرية للإسلاميين تعنى انتقال الحرب إلى شرق السودان حيث “البرهان” ورهطه، وأضاف:(ذلك سيدفع دولا في المنطقة إلى الدخول في الحرب بشكل مباشر بدلا من حرب الوكالة). وتابع:(استمرار هذه الحرب وفق الحشد الاثني والعرقي سيقود إلى مذابح أهلية، ويحول الضحايا إلى “جناة”، ويخلق “محرقة” لما تبقى من الوطن. ومن المؤكد أن هذا سوف لن يتوقف في السودان، بل سيؤثر على الإقليم برمته).

وشدد “الجاك” أنه يجب على العاقلين في القوات المسلحة والإسلاميين من خلفهم، تجنيب البلاد مزيداً من الموت والخراب والدمار، وقبول الدعوة التي قدمها د. “عبد الله حمدوك” رئيس “تقدم” للجلوس للبحث عن حلول سياسية متفاوض عليها، أو حتى الجلوس مع “قوات الدعم السريع” بشكل مباشر، من أجل الوصول لوقف كامل للعدائيات دون شروط كما ورد في إعلان أديس أبابا .

محرقة حقيقية:

الوضع في السودان – بحسب المراقبين والمهتمين والمحللين – يتجه إلى محرقة حقيقية في ظل تصاعد عمليات التحشيد الشعبي لصالح الحرب تحت دعاوى وشائعات، وما يترتب على ذلك من مهددات اجتماعية وسياسية واقتصادية لدول الإقليم، فضلاً عن الصراع علي البحر الأحمر، واحتمالات تدخل دول ذات مصالح في الصراع سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر بما يشكل مهددا للسلم والأمن الدوليين، ما يفتح المجال أمام التدخل الدولي في السودان.

من جانبه استبعد المتحدث باسم الحرية والتغيير والقيادي بالتجمع الاتحادي “محمد عبد الحكم” التدخل الدولي في السودان، وذهب في حديثه لـ(راينو) إلى أن التدخل العسكري الدولي غير محبذ، و”لا أعتقد أن البلاد بحاجة لمثل هكذا تطورات”، وأضاف:(أي تدخل سيضاعف من أزمة البلاد، وسيجعل من البلاد التي تعاني الويلات جراء حرب الخامس عشر من أبريل العبثية مرتعاً للتطرف، ومستنقعاً جديداً للجماعات الإرهابية، هذا فضلا عن أن التدخل العسكري الدولي ستصاحبه أجندات أخرى، ستشقي البلاد بها أكثر مما تشقى الآن).

ويرى حكم أنه في ظل عدم وجود السودان كأولوية قصوى في أجندة المجتمع الدولي، فإن خيار التدخل نفسه غير موضوع على أجندات الدول الفاعلة، وأضاف:(بل يفضلون خيار المدنيين السودانيين بحسم النزاع وإنهاء الحرب عبر مائدة تفاوض تجمع الفرقاء المحليين، بينما ينحصر دور المجتمع الدولي والإقليمي في عمليات التيسير للحلول التفاوضية).

المتضررين من الحرب:

في السياق أستبعد عضو المركز السوداني للإعلام الديمقراطي “موسى جودة رحومة” في حديثه لـ(راينو) حدوث تدخل دولي في السودان، مشيراً إلى أن السودان يحتل درجة متأخرة في سلم أوليات الأسرة الدولية بشكل عام، ويحتل المرتبة السادسة في أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، أي أنه ليس في قمة الأولويات رغم حربه المستمرة، حتى يتم تسخير مؤسسات وأفراد وأموال لعمليات حفظ سلام فيه. وقال:(بالتالي الإرادة الحقيقية هي إرادة السودانيين في إيقاف الحرب، فالفاتورة حاليا تدفعها جماهير شعبنا لذا يجب التعويل على المتضررين من الحرب كدول الجوار من خلال الإيقاد للضغط على الطرفين لإيقاف الحرب. كاشفا عن أن “منبر جدة” اقترح قوات للفصل بين الطرفين، وكانت الفاتورة ستدفعها المملكة العربية السعودية. وبالفعل حدث تفاوض مع قيادات مع الجيش الباكستاني في سياق اتفاق محدود حتى يتسنى له القيام بالإجراءات الفنية من دمج وتسريح وإعادة الشرطة وخروج الطرفين المتقاتلين من المدن ما بين 45 إلى 50 كيلو.

وأكد “موسى” أن الجيش عمليا لا يستطيع ولا يمكن له ان يتقدم كيلو متر واحد خارج مقراته والمعسكرات، وأضاف:(هذا دليل واضح أنه لا يوجد ارادة أو قناعة لدى الجيش بالحرب لذا لم يحارب، وصار في وضعية المدافع للحفاظ على مواقعه وامتيازاته التاريخية، لأن الحرب حرب الاسلاميين وليست حربه، بالتالي لم يقدم على شن حرب شاملة يحقق فيها انتصارات تؤدي إلى عودة الاسلاميين ويعود هو لوضعه القديم، حيث يصدر الملازم المنظم من الإسلاميين داخل الجيش تعليمات لمن هو برتبة اللواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار