السودان

‏إعلان أديس أبابا .. هل تنجح مساعي “تقدم” في إيقاف الحرب؟

تقرير: راينو

مفاجأة من العيار الثقيل فجرتها تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) برئاسة رئيس الوزراء السابق د.”عبد الله حمدوك” لدى لقائها بقائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان دقلو”، بأديس أبابا، بعد وصول الطرفين لإعلان وصف بالإيجابي، كونه يصب في صالح تحقيق مطلب السودانيين في إيقاف الحرب، لتتجه الأنظار للتنسيقية، في انتظار لقائها بقائد الجيش “عبد الفتاح البرهان”، بعد نجاح الاجتماع، وتلبيته لمطالب القوى المدنية، رغم الانتصار والسيطرة المعلنة والواضحة لقوات الدعم السريع، الأمر الذي فتح باب التساؤل حيال إمكانية أن تفلح “تقدم” فيما عجزت عنه “جدة” ودول الجوار؟

مخرجات الاجتماع:

وفي الوقت الذي كانت حالة الشك تحيط بوجود “حميدتي” على قيد الحياة، بعدما تناسلت اشاعات وروايات وسيناريوهات وفاته متأثراً بجراحه، كان ظهوره في يوغندا ومن ثم أديس أبابا وجيبوتي، ولقائه بقيادات سياسية سودانية حاسماً في وضع حد لإشاعات غرف الإسلاميين الإعلامية التي يرى الكثيرون أنها من تقف وراء تمدد تلك الروايات.

وطبقا لنصوص الإعلان الذي صدر عن الاجتماع وتحصلت “راينو” على نسخة منه، فإن اللقاء نجح في التوصل لتفاهمات في قضايا وﻗﻒ اﻟﻌﺪاﺋﯿﺎت وإﯾﺼﺎل اﻟﻤﺴﺎﻋﺪات اﻹﻧﺴﺎﻧﯿﺔ، وﺣﻤﺎﯾﺔ المدنيين، وفيه يبدى الدعم السريع استعداده التام لوقف فوري غير مشروط للعدائيات عبر تفاوض مباشر مع القوات المسلحة، على أن تقوم (تقدم) بالتواصل مع الجيش للوصول لذات الالتزامات، فضلا عن موافقة الدعم السريع على إطلاق سراح (451) ﻣﻦ أﺳﺮى اﻟﺤﺮب واﻟﻤﺤﺘﺠﺰﯾﻦ، وذﻟﻚ ﻋﺒﺮ اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﺪوﻟﯿﺔ ﻟﻠﺼﻠﯿﺐ اﻷﺣﻤﺮ كبادرة لإثبات حسن النية، واستجابة لطلب تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية.

الفلول على الخط:

وتزامن إعلان مخرجات الاجتماع وإصدار إعلان أديس أبابا، مع حملة شرسة على قيادات “تقدم” و”حميدتي”، قادتها الغرف الإعلامية المحسوبة على فلول النظام المُباد، ساعين في الوقت ذاته للتشكيك في وجود قائد الدعم السريع على قيد الحياة، وأن من ظهر في يوغندا وأثيوبيا وجيبوتي ثم أثيوبيا مرة أخرى، ما هو إلا شبيه تم إعداده لتمثيل دور “حميدتي”، الأمر الذي أثار سخرية في الأوساط السياسية والاجتماعية السودانية بشكل كبير، فضلا عن تزويرهم لمنشورات لـ”سي آي ايه”، و”كاميرون هاديسون”، تشكك من جهة، وتهاجم من جهة أخرى “حميدتي”، والقوى المدنية.

وكان رئيس “تقدم”، رئيس الوزراء السوداني السابق، “عبد الله حمدوك” قد أعلن الاثنين الماضي، إنه طلب اللقاء بشكل عاجل مع قائد الجيش “عبد الفتاح البرهان”، وقائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان دقلو”، بغرض التشاور حول السُبل الكفيلة بوقف الحرب. وذكر “حمدوك” في حسابه على منصة “إكس” حينها، أنه بعث رسالتين خطيتين إلى “البرهان” و”دقلو”، يطلب فيهما اللقاء، نيابة عن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”.

اختراق كبير :

ما أن انفض سامر اجتماع أديس أبابا، إلا واكتنفت المنصات الإخبارية والاجتماعية حمى تحليل الخطوة ومآلات الإعلان، ففي الوقت الذي اعتبر فيه كثيرون أن خطوة “تقدم” تمثل اختراقاَ كبيراً، خصوصاً مع الطرف المسيطر، إلا أن البعض أبدى تشاؤما حيال مستقبل الاتفاق، في ظل سيطرة دعاة الحرب على مقاليد السلطة والجيش في السودان.

ويقول عضو المكتب التنفيذي للحرية والتغيير، رئيس الحزب الاتحادي الموحد “محمد عصمت” في حديثه لـ(راينو)، أن اجتماع تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية “تقدم” مع قائد الدعم السريع يشكل اختراقا كبيراً في مسار الحرب الدائرة الآن، والمستمرة لتسعة أشهر. منوهاً اإى أن ما تم التوصل اليه، يعد مدخلا مناسبا جدا لتحجيم الخلافات التي كانت قائمة ما بين الدعم السريع والقوات المسلحة، وقال:(نحن نعلم أن الخلافات التي تراكمت لسنوات بين الطرفين قادت في النهاية إلى حرب ضروس، أكلت الأخضر واليابس في البلاد، وأن نذر الحرب الأهلية ماثلة وبصورة مخيفة، نتيجة للتحشيد والتجييش والتسليح الذي تم، نتيجة للاستقطاب الحاد بين الطرفين المتقاتلين).

لقاء بين “تقدم” وقيادة الجيش:

وتوقع “عصمت” أن يكون الاتفاق الذي تم بين “تقدم” والدعم السريع، دافعاً للقوات المسلحة في أن تخطو خطوة مماثلة، وأضاف:(نتمنى ان تكون خطوة القوات المسلحة متقدمة على الخطوة التي تمت في أديس أبابا، لأن الكل يعلم ان هذه الحرب حرب لا منتصر فيها، والخاسر الأوحد فيها هو الدولة السودانية، لذلك نأمل من قيادة القوات المسلحة أن تمتثل لأشواق وأحلام وطموحات أبناء وبنات الشعب السوداني، بالقبول بمبدأ التفاوض والحوار، حتى نتمكن من الحفاظ على ما تبقى من وحدة بلادنا.

ويذهب عضو المكتب التنفيذي للحرية والتغيير إلى أن جلوس “تقدم” مع الجيش وارد بنسبة كبيرة جداً، وقال:(لأن القوى المدنية سواءً “الحرية والتغيير”، أو “تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية”، لم ينقطع الاتصال بينها وبين الجيش طوال فترة هذه الحرب. معتبراً أن ذلك في حد ذاته “مؤشر طيب.”

وكشف “عصمت” عن موافقة مبدئية من قيادة الجيش على لقاء (تقدم) وزاد:( لكن لم يتم تحديد زمان ومكان هذا اللقاء الذي نأمل أن يتم في أقرب فرصة ممكنة، ونحن متفائلون بأن طاولة المفاوضات والحوار ستجمع قريبا قيادات الجيش والدعم السريع، لوضع حد لمأساة بلادنا وآلام وجراح شعبنا).

انتقادات لخطوة “تقدم”:

وعلى عكس “محمد عصمت” كان التشاؤم مخيماً على رؤية منسق لجنة الميدان سابقا بقوى الحرية والتغيير “أمين سعد” في حديثه لـ(راينو) وقال:(“تقدم” لم تقم بأهم واجباتها، ولم تنفذ ما قامت من أجله، وهو جمع القوى المدنية حول مشروع وبرنامج وآليات تنفيذ، وهو ما كان سهلاً إذا خلصت النوايا، وتوفرت الإرادة للإنجاز).

 وأعتبر “سعد” أن فرص نجاح “تقدم” في سعيها لوقف الحرب تبدو ضعيفة وحظوظها قليلة، لجهة أن “تقدم” – عند قيادة الجيش وكثير من السودانيين والسودانيات – غير “محايدة” في هذا الصراع، وأضاف:(ومع ذلك نقول إن أي مجهود لوقف هذه الحرب، مرحب به).

المحلل السياسي د.”أحمد بابكر”، ذهب إلى أن ثمة خطأ استراتيجي وقعت فيه تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، بتضمين الاتفاق مع قيادة الدعم السريع رؤية سياسية، تمثلت في الحديث عن نظام الحكم “الفيدرالية”، وكثير من القضايا السياسية الأخرى. واعتبر بابكر في منشور له أن ذلك الخطأ أتاح “شرعنة” الدعم السريع كقوى سياسية وليس مؤسسة عسكرية، مما يعني في المقابل إعطاء ذات الحق للقوات المسلحة بأن تكون قوى سياسية، وهو ما يتناقض مع ما ذكر في الاتفاق في إبعاد القوات المسلحة من العمل السياسي، وأضاف:(بهذا الاتفاق الثنائي رسخت لوجود القوات المسلحة كحزب سياسي شارك في العملية السياسية بالإضافة لامتلاكها للسلاح).

الشيوعي يرحب:

في السياق نقلت تقارير إعلامية عن عضو اللجنة المركزية والناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي “فتحي فضل”، ترحيب حزبه بشكل عام، بأي محاولة وأي جهود لإيقاف الحرب، والعمل على إنهائها وإزالة أسبابها، و”رفع معاناة شعبنا”.

وأعرب “فضل” عن أمنياته أن يكون اللقاء خطوة في الاتجاه الصحيح لوضع أسس لإنهاء الحرب، وبناء حاضنة سياسية مدنية تستند إلى جهود كل القوى الحية، وبشكل خاص القوى الموجودة داخل السودان. ما يعني مراعاة المواقف المعلنة لتنسيقيات لجان المقاومة، الأحزاب السياسية، الحركة النقابية الوليدة وغيرها.

وذهبت كثير من التحليلات إلى أن اللقاء يمثل اختراقاً، لا للسعي من هذه القوى لإيقاف الحرب فقط، وإنما لجهة تحركها الإيجابي بعد امتصاص صدمة الحرب، وسعيها للتوحد من اجل معالجة ازمة البلاد. فيما تذهب فرضيات أخرى إلى أن مساعي “تقدم” ما هي إلا بداية إيجابية وفعل مهم، لتجاوز حالة الضمور والضعف التي تعاني منها القوى المدنية، ومحاولة لفعل الممكن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار