السودان

بيان (كرتي) وتسريب (المصباح) .. الإسلاميون يلفظون الأنفاس

تقرير: راينو

لغط كبير ومتعاظم في الأوساط السودانية على خلفية خطاب الأمين العام للحركة الإسلامية (علي كرتي)، والذي طالب فيه الجيش بسرعة تسليح المستنفرين من جهة، والكشف عن الحقائق للشعب من جهة أخرى. توقيت وفحوى خطاب (كرتي) كانا مدخلاً للغط بحسب الكثيرين، خصوصاً وأن الخطاب جاء في أعقاب سيطرة (الدعم السريع) على مدينة ود مدني – ثاني أكبر المدن السودانية بعد الخرطوم – دون مقاومة تذكر من الجيش، لتدور التساؤلات حول ماذا وراء خطاب على كرتي؟

تسجيل المصباح:

لم تمض سويعات على خطاب علي كرتي المعاقب دولياً من قبل الولايات المتحدة منذ سبتمبر الماضي، إلا وبرز للسطح تسريب صوتي آخر لقائد إحدى كتائب النظام المُباد المساندة للجيش في حربه مع الدعم السريع، وهي كتيبة (البراء بن مالك)، يشكو فيه من عدم وجود سلاح وذخيرة، وينقل تجربة فراره إلى منطقة (الشكابة)، على طريق (سنار)، حيث أسرته وسيارته. تسجيل المصباح زاد لهيب التساؤلات حيال ما يحدث، وضاعف من قيمة خبايا خطاب (كرتي)، الذي يرأسه تنظيمياً، ويقوده عسكرياً.

بيد أن ما أثار الجدل بشكل متعاظم، وكشف عن وجود تفاعلات داخلية، صدور بيان لقائد الفرقة المنسحبة من (ود مدني)، عقب انتشار التسجيل الصوتي لـ(كرتي). وتداولت المنصات بياناً منسوباً وممهوراً بتوقيع قائد الفرقة الأولى مشاة اللواء الركن (أحمد الطيب)، قال فيه إنه تم اتخاذ قرار حاسم “بسحب قواتنا العسكرية من المنطقة، نظرا للتقييم الدقيق للأوضاع الراهنة، والتحديات التي تواجهنا كقوات مسؤولة عن أمان واستقرار وطننا العزيز”.

مخطط شرير:

وكشف الطيب عن أن الانسحاب جاء بعد كشف مخطط شرير، كان يهدف إلى استخدام المدنيين كوسيلة لإشعال نزاع عرقي في المنطقة، وأضاف:(هذا المخطط الخطير الذي كان يتم تنفيذه بواسطة ميليشيات متطرفة تتبع للأمين العام للحركة الإسلامية “علي كرتي” شخصياً، كان يهدد بزرع بذور الفتنة والفوضى، ما جعل الانسحاب ضرورياً للحفاظ على وحدة المجتمع، وضمان استقرار المنطقة. وتابع:(تعتبر الأوامر الكاذبة التي أصدرها “جهاز المخابرات العامة”، سبباً رئيسياً في تعطل عمليات الإجلاء، وزاد الارتباك أيضاً بفعل عمليات تضليل مكثفة نفذت من قبل عناصر تابعة للمخابرات، وبعض العناصر الإسلامية، واختلاقها لاحتفالات، وإيهام المواطنين بجلاء الخطر. هذه العمليات كانت تهدف إلى تحقيق أهداف غير مشروعة، وضرب العلاقة بين المدنيين والقوات العسكرية، مما أثر سلباً على جاهزيتنا لاستكمال عمليات الإجلاء بفعالية).

سر التفاعلات:

ويبدو إن خطاب (كرتي) الذي خاطب فيه الجيش والمستنفرين يحمل مضامين أخرى، استناداً على ما كشفه بيان الطيب. ويذهب كثيرون إلى أن المخطط المشار إليه، كان يمضي بالفعل على قدم وساق، حيث شهدت الآونة الأخيرة حملات اعتقالات أشرف عليها فلول النظام المُباد، وأجهزتهم بمدنية “ود مدني”. ونقلت تقارير إعلامية توصيف لهذه الحملات على أنها تتم على أساس إثني وجغرافي، وتم تفسيرها على أنها محاولة من الفلول لحرف الحرب، حتى تكون حرباً اثنية ومجتمعية وجغرافية.

تزامنت حملات “ود مدني” مع مداهمة الاستخبارات العسكرية لدار “حزب التحالف الوطني السوداني” بمدينة كسلا، ونقل شهود عيان حينها لـ(راينو)، أنه لم يتم أي اعتقال خلال المداهمة، وأضاف الشهود:(تمت اعتقالات لعدد من أصحاب “الطبالي” في سوق كسلا، بحجة نظافة السوق، ولكن التركيز كان على أساس اثني وعرقي، وتحديدا أبناء دارفور، بحجة أنهم “جواسيس” للدعم السريع).

ما وراء الخطاب:

ويشير الناطق الرسمي باسم التحالف السوداني عضو المركزي للحرية والتغيير شهاب إبراهيم في حديثه لـ(راينو) إلى أن انهيار القوات المسلحة في بعض المناطق، سيدفع قيادة الحركة الإسلامية لقيادة الحرب والتعبئة لها بصورة علنية، لأنها تمثل حرباً “وجودية” لهم، وبالتالي سيعملون على استمرارها والتعبئة لها. وأضاف:(خطاب الأمين العام للحركة الإسلامية “على كرتي”، هو بمثابة رسالة للمجموعات القتالية التي تنتمي للحركة الإسلامية، وتأكيد الحوافز المعنوية لهذه المجموعات حتى تتماسك ولا تنهار، بعد سقوط أحد مراكز تجميع المجموعات القتالية المهمة لهم.

وشدد (شهاب) على أهمية أنه بعد هذا الخطاب التحريضي، “يجب أن يتم تصنيف هذه الجماعة كمنظمة إرهابية، لأن هذا الخطاب التحريضي وضع مستقبل السودانيين في العودة لحياتهم الطبيعية، في مقابل استمرار الحرب”.

زاوية أخرى:

من جانبه أعتبر المحلل السياسي (مازن أبو بكر باشا) بيان “كرتي” الأخير بيان انتحار واضح، منوهاً إلى أن الجيش يجعل الإسلاميين في مواجهة مباشرة مع الدعم السريع، بدليل أغلب الفيديوهات للعمل الخاص وكتائب الإسلاميين الجهادية، مشيراً إلى أن هناك أكثر من تصريح للـ”كيزان”، يشتكون فيه من قلة التسليح، وهو أمر مقصود. وقال:(الجيش هو المتحكم في المواجهة).

وشدد باشا على أن الاستنتاج الأوضح في سقوط “ود مدني” على يد الدعم السريع، هو تأكيد ضعف تنظيم الإخوان داخل الجيش، لأنه لو كان لديهم قدرة حركة، لكانوا انقلبوا على “البرهان”، وتابع:(يبدو أن الجيش لا يريد تحمل تكلفة الحرب من كل النواحي، في مقابل غرض سياسي لتنظيم).

ويدلل “مازن” على حديثه بقوله:(ما نزال نستذكر عدداً من المقالات، تتحدث عن شكوى المستنفرين من تصفيات حدثت لهم من الخلف، أثناء عدد من المعارك). وتابع:(في النهاية من الواضح أن هذه الحرب، “حرب وجود”، للإخوان المسلمين في السودان.

والإثنين الماضي سيطرت قوات الدعم السريع على مدينة “ود مدني”، واستولت على الفرقة الأولى مشاة، بقيادة اللواء (أحمد الطيب) التي انسحبت من المدينة، بعد أقل من (12) ساعة من احتفالات وارتكازات كان أبطالها منسوبي النظام البائد، الذين استبقوا المعارك بحملات اعتقالات مكثفة في أوساط الناشطين والثوار ولجان المقاومة على أساس عرقي، بتهمة التعاون مع الدعم السريع.

لجنة تحقيق:

وفي السياق أعلن الجيش السوداني عن انسحاب قوات رئاسة الفرقة الأولى من مدينة مدني، وقال:(يجري التحقيق في الأسباب والملابسات التي أدت لانسحاب القوات من مواقعها شأن بقية المناطق العسكرية، وسيتم رفع نتائج التحقيق فور الانتهاء منها لجهات الاختصاص، ومن ثم تنشر الحقائق للرأي العام).

وتدخل الحرب السودانية شهرها التاسع، دون أي نجاح يذكر للجيش السوداني في صد أي هجوم شنته أو استرداد أي موقع سيطرت عليه قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب في 15أبريل.

وأسفرت الحرب حسب تقديرات أممية عن قتل نحو (12) ألف شخص، ونزوح ولجوء أكثر من (7) ملايين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار