السودان

الخرطوم وطهران.. تناقضات في خارجية السودان

الخرطوم : راينو

تناقضات مريبة وغريبة تلك التي تكتنف المشهد السوداني كلما استجدت نقطة في بحر العلاقات السودانية الايرانية، ففي الوقت الذي سعى قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان لخلق تقارب والتطبيع مع اسرئيل، ما إن اندلعت الحرب الا وكان وزير خارجيته المكلف على الصادق ينسج اولى خطوات عودة العلاقات بين العاصمتين التي كانت مقطوعة منذ ما يقارب السبع سنوات، قبل ان يشهد اكتوبر الماضي إعلان الخرطوم رسميا عودة العلاقات بشكل كامل في انتظار اجراءات تسمية السفراء.. ولعل ما جعل طهران تعود لواجهة الاحداث السودانية ما تناثر بشكل غير رسمي عن دعم عسكري ايراني للسودان في مقابل تمرير دعم اخر لحركة المقاومة الاسلامية حماس، في تناقض يعد هو الاخر أكثر غرابة كما يرى المحللون قبل ان يرجعوا كل ذلك لتنفذ الاسلاميين في دهاليز سلطة الامر الواقع بالخرطوم..

رحلة وتطورات

على الرغم من البداية الطبيعية للعلاقات بين الخرطوم وطهران، الا أنها شهدت تطورا ملحوظاً عقب نجاح ما يعرف بالثورة الاسلامية في ايران في 1979م حيث صادف ذلك بداية تنفذ الاسلاميين السودانيين في أروقة نظام النميري الحاكم انذاك عقب مصالحة 1977م، ما أسهم في تقارب وتمتين العلاقات بين العاصمتين.. بيد أن العلاقات لم تلبث وان تدهورت على خلفية مساندة السودان للعراق والقتال معه في حربه ضد ايران.

طهران، إيران: الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد (إلى اليمين) يلتقي بنظيره السوداني عمر البشير (إلى اليسار) في طهران في 24 أبريل 2006.

وفي بواكير انقلاب الاسلاميين على الحكومة الشرعية المنتخبة في 30 يونيو 1989م، تطورت العلاقات بين البلدين تطورا لافتا، ما اسهم في كسر ايران لكل حلقات الحصار على النظان السوداني بقيادة الجنرال عمر البشير وعملت على تدريب وامداد الجيش بالوقود والسلاح، فضلا عن انتشار خبرائها العسكريين في مجمعات التصنيع الحربي السوداني.
وكشفت اسرائيل عام 2012م في اعقاب قصف احدى المجمعات العسكرية السودانية في منطقة الشجرة جنوبي الخرطوم، عن أن المجمع يعمل على اعادة انتاج أسلحة إيرانية ليتم ارسالها لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» عبر الحدود المصرية.
وبحسب تقارير اعلامية سابقة فإن رد الفعل الايراني انذاك جاء برسو سفن حربية إيرانية في مدينة بورتسودان على البحر الأحمر، في ما عُدَّ وقتها أنها لدعم الجيش السوداني إزاء أي تطورات قد تطرأ على الأوضاع مع إسرائيل. لكن المراقبين فوجئوا بقرارات صادرة عن السلطات في الخرطوم سبتمبر 2012 قضت بإغلاق الملحقية الثقافية الإيرانية في الخرطوم، والمراكز الثقافية التابعة لها، وطرد الملحق الثقافي والعاملين في الملحقية خلال 72 ساعة. وبعد 4 سنوات على هذه الحادثة اي في 2016م أعلن وزير الخارجية السوادني انذاك إبراهيم غندور، قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وطرد السفير وكامل بعثته الدبلوماسية واستدعاء السفير السوداني من طهران، بعد الاعتداء على سفارة وقنصلية المملكة العربية السعودية في طهران، وأعلن استعداد السودان للتعاون مع الرياض في مواجهة الإرهاب الإيراني، وهو ما اسهم في اتجاه اسهم العلاقات السودانية الخليجية في اتجاه ايجابي بعد توترات وجمود وفتور لازمها طيلة فترة حكم الاسلاميين.

المشهد الان

كثيرون يربطون بين عودة العلاقات السودانية الايرانية بالخطوات التي اتخذتها دول المنطقة العربية باعادة تدريجية للعلاقات مع ايران، الامر الذي رفع الحرج عن جنرالات الجيش في الاستعانة بايران وخبراتها العسكرية في مواجهة الدعم السريع.
ويرى المحلل السياسي اسامة عبد الماجد بوب في حديثه لـ(راينو) أن الاصلا في النظام الايراني سعيه الحثيث للتدخل في كل مناطق الصراع والبؤر المشتعلة في المنطقة العربية، وقال: ثمة علاقة ما بين النظام الايراني وكل دول الصراع في الوطن العربي، إذ أنه يحاول التدخل بكل الوسائل والاشكال في خلق وادارة كل البؤر التي يحدث فيها صراع غض النظر عن طبيعة النظر..
ويستدعي بوب نماذج للتدخل الايراني في المنطقة بالتدخل الماثل في العراق ،كذلك في اليمن بالصورة التي وصفها بالفاضحة عبر الحوثيين، بالاضافة الى تدخله في لبنان عبر حزب الله الذي يعمل بحسب اسامة على تعكير الوضع الامني في جنوب لبنان، وفي سوريا ومحاولاته المستمتية لايجاد موطيء قدم ..
ويذهب اسامة الى أنه ليس من المستغرب ان تتدخل ايران بالياتها العسكرية واستخباراتها في السودان، واضاف: هذه العلاقة بين ايران وبين النظام المباد معلومة ومعروفة واهدافها وتوجهاتها الايدولوجية المرتبطة بالهوس الديني الذي يتم استخدامهم لتحقق مارب سياسية عسكرية، وتابع: ايران تهدف لايجاد موطيء قدم في البحر الاحمر و التمدد في افريقيا عبر بوابة السودان، لذلك تم استرجاع العلاقة الدبلوماسية بين قادة انقلاب 25 اكتوبر في الاشهر الماضية ، وهذه الاعادة لم تأت من فراغ بل بعد الحرب بين الجيش والاسلاميين وبين الدعم السريع ، هذه الحرب اتاحت الفرصة لقادة الانقلاب لاعادة العلاقة مع ايران بما يتيح له التدخل في الشان السوداني وطلب العون العسكري عبر جلب المسيرات القتالية لذا لا نستبعد وصول ضباط من القوات المسلحة ينتمون للنظام البائد للتدريب على استخدام المسيرات في الحرب..

تخبط الخارجية

محللون يرون أن ما يتم في السودان من تحركات للجنرالات في كل اتجاه تعكس حالة من غياب المنهجية والنظامية والمنطقية في دهاليز وزارة الخارجية السودانية ، ويذهبون الى أن كل ما في الامر هو محاولة البحث عن حلفاء ومساندين لتوجهات الحرب في السودان التي يدرها عناصر النظام البائد المدنيين والعسكريين، ويدللون على ذلك بالخلافات المكشوفة بين قادة الجيش تارة والمتصاعدة في خارجية حكومة الامر الواقع.

الصحفي عثمان فضل الله

وعلل من ابرز المتفقين مع هذه الوجهة المحلل السياسي والصحفي عثمان فضل الله الذي اعتبر في حديثه لـ(راينو) أن السياسة الخارجية السودانية بعد انقلاب 25 اكتوبر فيها كثير من التخيط لأن النظام البائد سيطر على الدولة ولا يستطيع الذهاب الى علاقاته وارتباطاته القديمة في ذات الوقت لا يستطيع الاستمرار في السياسات الجديدة في اعقاب تولي وجوه جديدة للسلطة. وقال: الواضح انه لا يوجد خطة بقدر ما أن هناك تنازع لتعدد مصادر قرار داخل النظام ..
ويرى فضل الله أن الهدف من اعادة العلاقات السودانية الايرانية هو الضغط على المجتمع الغربي وهو ذات تفكير العقلية القديمة، في سبيل الحصول على تنازلات بالاضافة الى التوسل للحصول على اسلحة لاستخدامها في الحرب الحالية ..
ويستند فضل الله في التدليل على التخبط وعدم المنهجية في ذهاب قائد انقلاب 25 اكتوبر الى روسيا والتواصل مع أوكرانيا في ظل التفاوض في جدة التي ترعى منبرها الولايات المتحدة، كل ذلك يحدث ويتم اعادة العلاقات مع ايران في الوقت الذي يتم التطبيع مع اسرائيل حد أن الجنرالات وخارجيتهم لم يدينوا ما حدث في غزة حتى الان. واضاف: كل ذلك مجرد تخبط ليس الا من صانع القرار بلا هدى او سياسة واضحة، بل هو رزق اليوم باليوم، بدليل علاقتهم بالامم المتحدة سيئة، وتجميدهم في الاتحاد الافريقي، وعلاقات متوترة مع الاتحاد الاوروبي، وساءت حاليا مع الايقاد، اي انه لا توجد سياسة خارجية مبنية على منهج ومصلحة واحترام الدول بل هي سياسة رزق اليوم باليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار