السودان

الحقيقة الغائبة ..  أسرار وخفايا مقتل والي غرب دارفور (الحلقة الثانية )

الجنينة: وكالة راينو

وسط اتهامات متبادلة، ومحاولات حثيثة من فلول النظام البائد لدمغ الدعم السريع بالحادثة الكبيرة، التي أثارت جدلاً واسعاً بمقتل والي ولاية غرب دارفور (خميس عبد الله أبكر) في الرابع عشر من يونيو المنصرم، إبان الاشتباكات المسلحة التي انطلقت شراراتها في مدينة الجنينة في الرابع والعشرين من أبريل الماضي، وامتدت لأكثر من شهرين، راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى، مع تشريد مئات الأسر، ودمار وخراب البنى التحتية. وتزايدت وتيرة هذا الجدل بعد الاتهامات التي طالت جهات عديدة، بالتورط في مقتل الرجل المثير للجدل، والذي لا يخفي ميوله القبلية، وتلتف حوله دائرة من قيادات الصف الاول لتنظيم (المؤتمر الوطني)، وأخرى ذات توجهات قبلية انفصالية.

حرب قبلية ضارية:

كان يوم الرابع عشر من يونيو المنصرم من أكثر الأيام التي اشتدت فيها ضراوة الحرب القبلية، واستخدمت فيها كافة أنواع الاسلحة الخفيفة والثقيلة والدبابات والقنابل الصاروخية، وتمركزت المعارك حول محيط مقر أمانة حكومة الولاية والتي اتخذها القناصة منصة لاستهداف المناطق التي تقطنها القبائل العربية في أحياء الجبل وجامع جويلي، والصفا، والصافية. وفي تمام الساعة السادسة من مساء يوم الأربعاء الموافق الرابع عشر من يونيو، سُمع دوي إطلاق نار كثيف في الهواء يعرف محليا -البشرى – أي التبشير في مناطق مختلفة وعمت المدينة أنباء تفيد بالقبض على الوالي (خميس عبدالله)، ورغم أن شبكات الاتصالات كانت متوقفة حينها لأكثر من شهرين، إلا أن الخبر انتشر سريعاً، في كافة أنحاء المدينة.

وانتشر وقتها مقطع فيديو يظهر فيه الوالي (خميس)، يلبس خوذة وواقي رصاص، ويحاول مُسرعاً، الدخول إلى أحد المكاتب، وبجانبه قائد قوات الدعم السريع، اللواء (عبد الرحمن جمعة)، الذي حاول أن يمنع أحد الأشخاص، من الاعتداء على (خميس). وتتهم القبائل العربية (خميس عبدالله)، بقيادة الحرب القبلية ضدها، مُسخراً لها كافة إمكانيات قوات التحالف السوداني، وفتح لها مخازن السلاح في رئاسة شرطة الولاية، ومخازن جهاز المخابرات الوطني، بجانب تحريض أبناء المساليت في قوات الجيش، على السيطرة على الدبابات في الفرقة (15) مشاة، والمشاركة بها في الحرب.

جمعة وكشف الحقائق:

سارع قائد قوات الدعم السريع قطاع ولاية غرب دارفور، اللواء (عبدالرحمن جمعة)، بتصريحات صحفية، كشف فيها اللحظات التي صاحبت القبض على الوالي (خميس)، وقال أن قيادة قوات الاحتياطي المركزي، طلبت منه المجيء إلى مقرهم على وجه السرعة. وعند وصوله أبلغه أحد الضباط، أن الوالي خميس موجود بطرفهم. وأضاف جمعة:(قابلت “خميس”، وطلب مني حمايته، قائلاً:” يا عبد الرحمن انا عايزك تحميني وتساعدني في الخروج، غيرك انت مافي زول بحميني”، فاصطحبت الوالي إلى سيارتي، وفي تلك اللحظات علم المسلحون الذين كانوا ينتشرون بالقرب منا بوجود الوالي داخل سيارتي، فقاموا بمُلاحقتنا، وكانت أكثر من (50) سيارة خلفنا. “حاولت تهريبه لكني لم أستطع”).

واشار إلى أنه تمكن من الوصول به إلى مقر قوات الدعم السريع، الذي تمت محاصرتها من قبل متفلتين، وبأعداد كبيرة جداً، وأضاف:( في تلك اللحظات قتل اثنين من جنودي من قبل المتفلتين الذين حاولوا اقتحام مقر الدعم السريع، فأصبح الوضع مأزوماً، وصارت السيطرة الكاملة من المستحيلات. طلبت بعض القيادات التي أثق فيها، وقلت لهم نحن أمام كارثة، وحسب العهود والقوانين الدولية يجب علينا حماية “خميس”، وتسليمه إلى بلد آمن، لذلك عليكم بترحيله). وزاد:(جهزنا له سيارة وفي معيته القيادات التي كلفتها بترحيله، وعندما استعدوا للتحرك، طلب “خميس” التحدث مع جنوده عبر جهاز ” موتريلا “، وقال لهم:”انا الآن في أيدي أمينة، وفي طريقنا إل دولة تشاد وطلب من قواته التوجه الى منطقة أدري).

وقال عبد الرحمن:(أسالوا قواته هل قال لهم ذلك الكلام أم لم يقله)، وتابع:(عند خروج السيارة التي كانت تقل خميس في طريقه إلى أدري، بدأت ملاحقتهم من قبل المتفلتين، وتمكنت السيارة من تجاوز ثلاث مطبات، لكنهم في الآخر عطلوا إطاراتها، وقُتل أحد الأشخاص الذين كلفتهم بترحيله، وقاموا باستلام خميس، ولا أدري مكان قتله، وهذه هي المعلومات التي بطرفي). واتهم جمعة ضباط في الاستخبارات العسكرية بفتح مخازن السلاح للمجموعات المتفلتة، وحمل ضابطاً يدعى (العقيد وليد) المسؤولية المُباشرة عما جرى من تسليح أعداد كبيرة من المواطنين “العرب” وكذلك تسهيل تسليح المواطنين “المساليت”.

 ولفت إلى أنه وبحكم تواجده في لجنة أمن الولاية، فقد كان يعلم – وفق التقارير المستمرة – بأمر تسليح “المساليت”، وتشجيعهم على قتل “العرب”، ومهاجمة أقسام الشرطة، واغتيال مدير عام الشرطة، إضافة إلى قتلهم مواطنين اثنين، واستمر الهجوم حتى بلغ عدد القتلى من القبائل العربية (14) شخصاً، بعدها تمت تغذية الخطاب القبلي من الاستخبارات، وتسليح العرب. فاندلعت معركة قبلية شرسة، وطوال هذا الوقت كان الدعم السريع يقف بعيداً عن المعارك، وتسعى قيادته لوقف الحرب القبلية. واكد جمعة استعداده للمثول أمام أي لجنة تحقيق لكشف كل المعلومات حول الحادثة، واتهم وسائل الإعلام التي يسيطر عليها فلول النظام البائد، بالترويج لبعض الأنباء، من أجل إثارة الفتنة القبلية، وتأجيجها.

خميس يطلب حماية الدعم السريع:

بالمقابل وفي تسجيل صوتي منسوب لمستشار الوالي للشئون السياسية (عبد الخالق دودين)، قال ان معركة يوم الأربعاء كانت من الساعة السابعة صباحاً، وحتى الرابعة مساءً، مُشيراً إلى أن القائد العام لقوات التحالف السوداني والي الولاية (خميس أبكر)، أدرك اتساع رقعة الصراع، وزادت المخاطر عليه شخصياً، ولم تعد قواته قادره على حمايته من المجموعات العربية التي انتشرت في الولاية، وحينها فكر في طلب حماية الدعم السريع. وأضاف دودين:(كنا في ارض المعركة، وهذا تأكيد واضح أن خميس كان قائدا للمعركة في يومها الأخير، وصل الينا القائد العام لقوات التحالف السوداني وقال “إننا محاصرون من كل الاتجاهات، ويجب أن نغادر هذا الموقع إلى مقر قوات الاحتياطي المركزي، ومنها يتم تسليمنا لقوات الدعم السريع لحمايتنا).

وتابع:(في تلك الاثناء قام الوالي خميس بإجراء مداخلة في قناة الحدث من داخل صالة ميار بحي الجمارك، ومنها توجه إلى مقر قوات الاحتياطي المركزي، التي وصلها ودخل إلى أحد المكاتب، وترك بعض مستلزماته مع سكرتيره الخاص. لكن قوات الاحتياطي المركزي رفضت السماح للسكرتير الخاص بمقابلة الوالي مرة أخرى، وطلبوا منه الحديث معه عبر جهاز “موتريلا”، وعند إجراء المكالمة قال الوالي لسكرتيره الخاص:”الناس ديل -ويقصد قوات الاحتياطي المركزي- تاني ماحيرجعوني ليكم لكن دبروا حالكم”. وبعدها وصل قائد قوات الدعم السريع اللواء “عبد الرحمن جمعة”، إلى مقر قوات الاحتياطي المركزي، وقام باستلام الوالي خميس، وترحيله الى مقر قوات الدعم السريع).

وعقب ذلك انتشرت مقاطع فيديو تؤكد مقتل الوالي خميس عبد الله والتمثيل بجثته. وكان من اللافت للنظر، أن الاشتباكات المسلحة توقفت في مدينة (الجنينة) عقب خبر مقتل (خميس أبكر)، وانتشار الفيديوهات التي تؤكد مقتله، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، دوره الفعال والرئيسي، في اندلاع الحرب واستمراريتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار