السودان

إعفاءات وتعيينات البرهان .. تساؤلات حول المغزى والتوقيت

تقرير: راينو

أصدر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قرارات بإعفاء وزراء وولاة وتعيين آخرين، شملت إعفاء ولاة ولايات جنوب ووسط دارفور، بجانب ولاية شرق دارفور، التي خرجت من سيطرة الجيش بالفعل، ما أثار جدلاً واسعاً حول جدية مثل هذه القرارات؟ والغرض من إصدارها دون توفر إمكانية لتطبيقها.

مراقبون ومهتمون بالشأن السياسي تحدثت إليهم راينو، ذهبوا إلى أن البرهان ظل يتخذ مثل هذه القرارات بين حين وآخر، لإبعاد النظر عن فشله في الجانب العسكري، وتحويل الأنظار للجانب التنفيذي للدولة، وعسكرته بهدف تكامل الأدوار، ودعم المجهود الحربي، واعتبروها قرارات مثيرة للقلق، ووصفوها بأنها (تثير العديدة التساؤلات).

 والأربعاء قرر قائد الجيش السوداني إنهاء تكليف (خالد حسان محي الدين)، من منصب وزير الداخلية، و(محمد سعيد)، وزير العدل، و(بتول عباس عوض)، وزير الصناعة، و(عبد العاطي احمد عباس)، وزير الشؤون الدينية والأوقاف، وعين آخرين بدلا عنهم. كما أعفى البرهان ستة ولاة ولايات هم (اسماعيل عوض الله)، من منصب والي ولاية الجزيرة، و(خوجلي حمد) من ولاية كسلا، و(الباقر احمد)، من مهام منصب الولاية الشمالية، و(معتصم عبد السلام)، من مهام غرب كردفان، و(سعد ادم بابكر)، من مهام والي وسط دارفور. و(حامد محمد التجاني هنو)، من مهام والي ولاية جنوب دارفور.

جمود كبير:

ورأي أستاذ السياسات الخارجية بالمركز الدبلوماسي الدكتور عبد الرحمن ابو خريس، أن قرارات البرهان المؤجلة تأخرت كثيراً، وكان من المفترض إعلان التشكيل الوزاري الجديد منذ الأيام أو الأسابيع الأولي من بداية الحرب، لأنه من الطبيعي في هذه المرحلة، أن تكون الحكومة بشقيها العسكري والمدني، تعمل “بنفس واحد”، وبشكل متكامل. لكن من الملاحظ خلال الفترة الماضية، أنه كان هناك جمود كبير جداً، وعدم فاعلية في العمل الإداري والسياسي في الولايات التي تشهد صراعات، والولايات المستقرة رغم اشتعال البلد بالحرب، لذا وضعية مابعد الحرب التي بدأت يوم 15 أبريل الماضي، تتطلب تكامل الأدوار بين الأداء الإداري والعمل العسكري، مشيراً لوجود جمود وفجوة كبيرة بين العمل المدني والعسكري. إذ غاب الوزراء تماماً عن التفاعل السياسي مع الحرب، خاصة وزارة الإعلام وبقية الوزارات، مع غياب الوزير المختص. مما شكل تهديداً للعمليات العسكرية، وتابع:(بشكل راتب من بداية الحرب، كان لابد منهم التفاعل مع الحدث)، وزاد:(اذا كان الوزير لديه موقف سياسي من الحرب كان عليه تقديم استقالته. لكن الملاحظ ان الوزراء المقالين تمسكوا بمناصبهم الدستورية دون أن يتفاعلوا مع الحرب، مما شكل رأي عام يقضي بضرورة قيام البرهان بإجراء تعديل وزاري، بتشكيل حكومة حرب وأزمه حقيقية. لكن البرهان (تأخر جداً جداً وكعادته دائماً ما يكون متأخراً)،  لذا تضرر المواطنين من العمل السياسي والإداري للدولة، وهذا الأمر انعكس على خدمات الكهرباء والتعليم والمياه، وأصبحت في تراجع مستمر.

 ضعف الجبهة الداخلية:

ولفت ابو خريس إلى مجلس الوزراء لم يساهم بوضع أي فكرة لحل أزمة الحرب مما شكل تهديد واضعاف للجبهة الداخلية الداعمة للقوات المسلحة، والأنكى أن يكون الحل للأزمة من الخارج مما جعل الرأي العام يطالب بإقالة الحكومة وإجراء تعديلات وزراية وفي الولايات

وأوضح (أبو خريس) أن المسؤولين الجدد لا بد أن يفهموا أنهم مكلفين في ظل حكومة أزمة حقيقية، ويدركوا حجم المخاطر والتحديات وإنجاز المشاريع، بجانب تنفيذ وإنتاج السياسات أثناء الحرب، وتابع :(لو كان المسؤولين الجدد لا يمتلكون تلك المهارات والخبرات والأبعاد الإدارية، فسيكونون مثل سابقيهم.

ولفت (أبو خريس) إلى أن حكومة البرهان محتاجة لجهة تدعم خطها على مستوي التفاوض في مباحثات جده، وإنتاج رؤي جديدة لتحقيق السلام أو على مستوي الحرب ودعم المجهود الحربي

 وقال:(نحن محتاجون لحكومة مختلفة تماماً، ولوزراء أصحاب رؤي أمنية وعسكرية عالية، لمواجهة المخاطر التي تحيط بالبلاد، وتدرك العمل في إطار الأزمات، وإدارة الدولة اثناء الحرب. وعلى مجلس الوزراء متابعة المسؤولين المكلفين الجدد، وغير المقالين من الولاة، بالالتزام بالسياسات التي ترسمها الدولة. وعلى الذين لديهم أراء سياسية (لا للحرب)، فهذه أراء سياسية، وعليهم مغادرة مناصبهم. لأن البلد الآن في ظل أزمة تحتاج للتكاتف على كل المستويات السياسية وغير السياسية، من أجل الإبقاء على السودان موحداً وغير مجزأ، ودعم الحوار والسلام. وهذا لا يأتي من الخارج، بل من قبل الحكومة بالداخل.

جلباب مرقع:

من ناحيته قال الخبير العسكري (علي ميرغني)، إنه يصعب قراءة التعديلات الجديدة في المناصب الوزارية، التي أعلنها البرهان، لجهة أن الوزراء كلهم – تقريباً – يعملون بالتكليف وليس بالأصالة، بل لا يوجد وصف دقيق للحكومة الحالية، كونها أقرب لـ(الجلباب الممزق)، الذي يرقعه صاحبه كل مرة، لدرجة اختفاء الجلباب الأصل ولا يتبقى سوى الرقع الجديدة. كما إنه من الملاحظ إن الحكومة، ومنذ اكتوبر (2021)، ظلت بلا رئيس وزراء.

وأضاف ميرغني لـ(رلينو):(على وجه العموم حملت التعديلات الجديدة إشارات مختلفة، مثلا ً وزير الداخلية الجديد هو لواء شرطة متقاعد، وسبق أن طعن في قرار الرئيس الأسبق (عمر البشير) بإحالته للتقاعد في العام (2017)، وكسب قضيته فتمت إعادته للخدمة، والغاء القرار الجمهوري بإحالته للتقاعد. هذا قد يضعف فرضية أنه من كوادر نظام البشير، كما إنه يملك ثقل قبلي في جبال النوبة. لكن على الجانب الآخر نجد أن وزير العدل المكلف الجديد، هو المستشار القانوني الأسبق لهيئة تنمية الصناعات الصغيرة التابعة لولاية الخرطوم، مما يمكن قراءته على إنه من كوادر النظام السابق).

 إعلاميون مقربون للإسلاميين:

وفيما يلي التعديلات في ولاة بعض الولايات قال ميرغني:(كان من المتوقع إعفاء ولاة الجزيرة والقضارف ونهر النيل والشمالية، لأسباب متعددة، مع ظهور حملات لإعلاميين تم تصنيفهم بأنهم مقربون من الإسلاميين ضد بعض الولاة، كما إن هنالك مؤشر مهم وخطير، ويجب التوقف عنده، وهو إقالة ولاة ولايات أعلن الدعم السريع السيطرة عليها، وهي وسط، وجنوب، وشرق دارفور، وعدم تسمية من يخلفهم. أي أن هذه الولايات خرجت فعلياً عن سيطرة الجيش والحكومة المركزية، وهو مؤشر خطير، وربما يطرح سؤال عن “وضع مني اركو مناوي حاكم اقليم دارفور ونائبه موسى عليو”، بعد أن تقلصت سلطتهما فقط في شمال دارفور).

وتابع:(قد يكون للفريق البرهان مبررات لقراراته الأخيرة، لكنها ألقت بمزيد من الغموض والشكوك عن مآلات الأيام المقبلة).

عدم الشفافية:

بالمقابل قال القيادي بقوي الحرية والتغيير (عروة الصادق):(عندما نلقي نظرة على سلسلة القرارات التي صدرت مؤخرًا من قبل الفريق العسكري الذي يتحكم في مفاصل البلاد، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يثير ذلك العديد من التساؤلات، ويدفعنا لإجراء تحليل عميق لهذه الخطوات. ونلاحظ أنها قرارات تتعلق بإعفاء وزراء وولاة ولايات وموظفين في شركات حكومية هامة، مثل الشركة السودانية للموارد المعدنية، بالإضافة إلى إعفاء أعضاء مجلس السيادة وقادة الإدارات العسكرية المهمة، وهذه التغييرات والتعديلات في الهيكل الإداري للدولة تحمل أهمية كبيرة، وتتطلب تفسيراً واضحاً. وواحدة من المشكلات التي تنبعث من هذه القرارات هي نقص الشفافية، وعدم وجود أسس قانونية واضحة لها. فالتغييرات العسكرية في حد ذاتها قد تفسر بأنها قرارات تابعة للسلطة العسكرية، ولكن عندما ننظر إلى الإحلال والإبدال في قيادات الشركات الحكومية، والإعفاءات في المجال الحكومي من مجلسي السيادة والوزراء وولاة الولايات، فإن ذلك يتعارض مع الأسس القانونية السائدة ويستدعي توضيحًا.

ويشير (الصادق) في حديث لـ(راينو)، أنه ينبغي الإشارة إلى أن تلك القرارات تتعارض مع حتى التأسيس الدستوري لانقلاب أكتوبر (٢٠٢١)، فالدستور يحمل القوانين والأسس التي يجب أن يتبعها أي تغيير في هيكل الدولة، وبالتالي ينبغي أن يستند البرهان في هذه القرارات إلى أسس قانونية واضحة، ويتم الإعلان عنها بشكل شفاف ومنصف، لكن ولأنه لا يملك تلك الأسس لم فإنها لا تجد منه خاطرة التفاتة.

جهاز معطوب:

وزاد الصادق:(ترتيبات عملية الإحلال والإبدال في الدولاب الحكومي مثيرة للقلق، لأنها تثير التساؤلات حول الدوافع والأهداف وراء هذه الخطوات، إذا كان الهدف هو تحقيق الإصلاح وتحسين أداء الجهاز الحكومي المعطوب، وتعزيز فرص العدالة والشفافية، فيجب على البرهان أن يستعرض الأساس القانوني والدستوري لذلك الإحلال والإبدال، ويكون لديه خطة واضحة لتحقيق تلك الأهداف، وهو أمر غير موجود في ظل ظروف الحرب الحالية، بل هو محض سكب لمداد على ورق).

وذكر الصادق أنه وبغض النظر عن التفسير القانوني والدستوري، علينا أن نسلط الضوء على الأثر الأمني والاجتماعي والاقتصادي لهذه التغييرات، فإجراءات الإحلال والإبدال قد تؤثر على حياة العديد من الناس، بما في ذلك الموظفين والمواطنين. لذا يتعين على البرهان أن يعمل على ضمان أن هذه القرارات لن تزيد من حدة الاحتقانات والتصعيد في الولايات، وألا تتسبب في تعطيل العملية الإدارية، ولا تؤثر سلباً على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام، لأن هناك وضع ولائي محتقن، وغياب تام لسلطة الدولة.

 شرعية داخلية:

وبدوره قال الصحفي (عمرو شعبان) إن البرهان ومن خلال قراراته، يرغب في ممارسة دور لمنحه الشرعية داخلياً، ناهيك عن المستوي الخارجي، من أجل التعويض المعنوي للجانب العسكري، في الجانب السياسي والتنفيذي والاقتصادي.

وقال شعبان لـ(راينو):(يتضح أن هناك اتجاه للاستعانة بمنسوبي المؤتمر الوطني والكوار التنظيم الإسلامي، أو عسكرة الجهاز التنفيذي بتعيينات، ربما تظهر في اليومين المقبلين. كما أشار إلى أن قرارات البرهان، هدفها أيضاً إبعاد النظر عن الانتكاسات الملموسة في الجانب العسكري، وتحويل الأنظار نحو المجال التنفيذي والسياسي.

وحول الجدوى الاقتصادية للقرارات قال (شعبان):(من المعلوم أن الدولة تعيش حالة حرب، واقتصادها يدار من خارج الدولة، فلن تكون هناك نتائج ملموسة علي المستوى الاقتصادي والمعيشي للمواطنين، بل مزيدا من النهب لصالح اقتصاد الحرب، علي حساب المواطن وتكاليف معيشته)، وتابع:(عسكرة الجهاز السياسي والتنفيذي، فالكلمة الأولي ستكون للعسكريين والأمنيين. وعلى الرغم من مواجهة السودانيين الحالية للقنابل والطائرات والرصاص فسيجدون أنفسهم داخل (سجن كبير)، في ظل فشل البرهان الفترة الماضية من إقناع أقرب حلفاؤه، بالتدخل العسكري، لحفظ ما تبقي من مناطق سيطرته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار