السودان
يوسف عزت: الجيش السوداني يخضع بالكامل لتنظيم (أيديولوجي) وإصلاحه غير ممكناً
قال المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع يوسف عزت، في مقابلة مع وكالة راينو الإخبارية، أن فساد الإسلاميين أضر بالقوات المسلحة السودانية، وان ارقام الجنود والضابط المعلن عنها غير حقيقية وتذهب أموالهم وتعيناتهم إلى جيوب كبار الضابط . وكشف عن أن العدد المعلن للجيش هو 220 الفاً من ضابط إلى جُندي. وهؤلاء كلهم يصرفون رواتب وبدلات تعيينات. لكن العدد الحقيقي للجيش كما تظهر الوثائق التي عثرت عليها (قوات الدعم السريع) لا يتجاوز 60 الفاً، بما فيهم الضُباط . وأوضح عزت أن حرب 15 أبريل بين الجيش والدعم السريع فتحت نقاش حول أسباب الحرب مما سيقود بالضرورة إلى مُناقشة أزمة الدولة، وأزمة الحروب في السودان لبلورة مشروع وطني .
حوار راينو
*) برأيك إلى أي مدي تشكل هذه الحرب نقطة تحول جوهرية في تاريخ بناء الدولة السودانية، ومعالجة كافة القضايا؟
السودان مر بتجربة طويلة من الحروب، حرب الجنوب استمرت لعقود، وبعد انفصال الجنوب استمرت الحرب في (جبال النوبة)، و(النيل الأزرق)، و(دارفور) التي ما زالت الحرب فيها مستمرة، وكانت هناك حرب الشرق في (همشكوريب)، فضلاً عن الحروب البينية بين القبائل. أي أن الحروب ظلت مُندلعة في السودان منذ الاستقلال، وحتى الخامس عشر من أبريل.
وكانك تريد أن تقول أن ما يجري هو الطبيعي في السودان؟
لا المُختلف في حرب (15) أبريل أنها تطورت ووصلت الخرطوم التي لم تشهد حروب مُنذ المهدية، وبعض الأحداث التي لم تستمر سوى ساعات أو أيام، كما حدث في العام (76) حينما دخلت الجبهة الوطنية المعارضة للعاصمة، وهناك عملية (الذراع الطويل) التي دخلت فيها قوات حركة العدل والمساواة للخرطوم في العام 2008م. لكن لم تشهد الخرطوم مثل هذا العنف بين قوات كبيرة من طرفين كما الآن هما الجيش المُختطف من الإسلاميين، وقوات الدعم السريع، وهي ليست قوات سهلة. والحرب الحالية هي ذروة الحروب، ووصولها للخرطوم لا يعني سوى أن الدولة بشكلها القديم قد تحللت، وانتهت بانتهاء مركزها نفسه. ولكي تكون حرب أبريل هي الأخيرة في السودان، لا بد من مناقشة جذور أسباب كل الحروب السابقة، ومُناقشة الخلل المباشر الذي أدى لنشوبها. والآن حانت لحظة تأسيس الدولة السودانية الجديدة، القائمة على قيم العدالة والمساواة والحرية وسيادة حُكم القانون، والمُواطنة المتساوية. إرساءً لأسس دولة قادرة على الحياة. وإذا فهم السودانيون هذا، يُمكن تحويل هذه الحرب – رغم كارثيتها – لانتصار للشعب السوداني، وهو ما يقاومه الفلول، ونسعى نحن لتحقيقه.
(*) ثمة تحولات كُبرى حدثت في الحرب، أبرزها تحول النقاش من أجندة إصلاح الجيش ودمج الدعم السريع إلى الحديث عن تأسيس وبناء جيش جديد. ماهي دوافع ذلك وإمكانية تحقيقه؟
مُنذ اندلاع ثورة أكتوبر المجيدة، ظهرت مُشكلة تعدد الجيوش داخل الدولة السودانية، فبعد اتفاق جوبا دخلت الحركات المسلحة في بند الترتيبات الأمنية. وداخل المؤسسة العسكرية نفسها هنالك قوات الدعم السريع، ولها قيادة (مُنفصلة)، وقانون (مُنفصل)، وظل الإسلاميون يقودون الجيش مُنذ التسعينات. لم تعُد قوات الجيش نفسها قومية بعد أدلجتها، وتصعيد قيادات على سدتها من إثنيات ونخب وولايات مُحددة. وقبل اندلاع حرب أبريل كانت هناك محاولات من الأمم المتحدة وقوى مدنية وخُبراء أجانب وقوات الدعم السريع وقوات الجيش كيما يتم إصلاح المؤسسة العسكرية وتوحيدها وقدمت قوات الدعم ورقة الإصلاح الأمني والعسكري وتمت مُناقشة هذه القضايا باستفاضة وتم الوصول فيها لخُلاصات. ومن الممكن أن تكون الورقة وما جاء فيها هو أحد أسباب هذه الحرب، باعتبار أن هنالك من له مصلحة في استخدام الجيش كعصا يستطيع ضرب المعارضين بها فكان هناك رفض ومقاومة لإصلاح الجيش. أما بعد الحرب فلم يعُد إصلاح الجيش ممكناً لأنه بات يخضع بالكامل لقيادة تنظيم (أيديولوجي)، وخرجت أعداد كبيرة من شرفاء الجيش من المؤسسة العسكرية وانسحبوا منها، وهناك انضمامات بأعداد كبيرة من الجيش لقوات الدعم السريع فلم يعد هناك جيش كمؤسسة وهذه أوان الدخول في مرحلة تأسيس جيش جديد بعد الحرب، جيش قومي على مستوى القيادة والجنود يُمثل الدولة، لديه عقيدة، ولا يقتل شعبه. لأن الجيش ظل يقتل شعبه منذ الاستقلال وحتى اليوم، ولم يشارك في أي حروب خارجية. والآن يلجأ للاستنفار وتحشيد القبائل، بينما نريد بناء جيش قومي لا يقتل السودانيين، لا يصنع الفتن، ولا يفتت المجتمعات المحلية. هذا هو الجيش الذي نريده، وهذا ما سنصنعه.
حان الوقت لتأسيس الدولة نفسها على أسس جديدة
(*) فتحت الحرب أبواب واسعة للنقاش بين السودانيين والنخب الفكرية على وجه الخصوص إلى أي مدي يسهم ذلك في بلورة وبناء مشروع وطني بأجندة جديدة لصالح كل السودانيين؟
إن الحرب رغم الخسارة ورغم معاناة المدنيين وتدمير البنية التحتية في البلد – على ضعفها – وهي ليست خيار، لكن مُناقشة أسباب الحرب ستقود بالضرورة إلى مُناقشة أزمة الدولة، وأزمة الحروب في السودان. ومن الطبيعي أن يتبلور مشروع وطني من هذه النقاشات، لكن هناك ما زالت بعض النخب تنتظر انتصار الجيش، والنُخب في حيرة من أمرها، ومنها التي وقفت ضد الإسلاميين لسنوات طويلة في عهدهم البائد، والسؤال هنا هل سيمضون إلى آخر الشوط في مُناهضة الإسلاميين أم لا؟ باعتبار أنهم اليوم ينظرون للحركة الإسلامية من باب الانتماء الإثني والجهوي لقياداتها من أمثال (علي عثمان)، و(نافع علي نافع)، و(علي كرتي)، كانتماء إثني بدائي للجهة والإقليم. والإسلاميون اليوم يُحرضون المواطنين على أساس إثني في الولايات لكسر الحواجز السياسية التي صنعتها ثورة ديسمبر بينهم وبين الجماهير، وتحييد النخب المعارضة لهم، لكنهم لن ينجحوا. ووسط هذه الضبابية هناك من يرى ضرورة وجود نقاش مفتوح حول هذه القضايا، ومن هذه النقاشات لا بد أن يتبلور مشروع وطني قادر على مُعالجة آثار الحرب وأزمات الحكم، ولا بد من هزيمة هذا المشروع الإثني، وأن يستمتع شعبنا بالسلام وبموارده المنهوبة، وأن تُرفع المظالم، ويستعيد شعبنا قراره والمضي نحو تحقيق المساواة بين كل السودانيين.
(*) منذ بداية الحرب في منتصف أبريل الماضي وبعد مضي أكثر من (100) يوم، كيف تقييم الميزان العسكري؟ لمن التفوق ميدانيا؟ وما هو التكتيك العسكري الذي اتبعه الدعم في الحرب؟
القوات المسلحة السودانية هي مؤسسة عريقة عمرها مائة عام، بينما نجد أن الدعم السريع عمرها لا يتجاوز العشر سنوات. وهذه الحرب كشفت حقائق واضحة في الميدان، أولها حجم الفساد داخل مؤسسة القوات المسلحة، وكيف حول الاسلاميين الجيش الى مشروع استثماري. ولذلك نرى التسابق والاحتكار واستخدام القبيلة والعرق، هذا ليس لأنهم يخدمون الجهات التي أتوا منها، أو يخدمون ولاية (نهر النيل)، أو (الشمالية)، أو (الخرطوم)، أو غيرها، بل إن هذا التسابق مرتبط بمصالح ذاتية لكبار الرتب في الجيش، وهؤلاء الإسلاميين الذين سيطروا على الجيش، حولوه إلى شركات، وإلى (مسالخ)، وإلى تصدير واستيراد، وإلى تصنيع الأسلحة والذخائر وبيعها في سوق الحرب في أفريقيا وغيرها. هذه هي المؤسسة العسكرية التي لم يتبق منها إلا لافتاتها. ويوجد بداخلها كل أنواع الفساد الذي مارسه الإسلاميون في كافة المؤسسات التي سيطروا عليها في الدولة خلال ثلاثين عاماً. لذلك لم تكن لدى الجيش القُدرات التي يعتقدها بعض المؤيدين له، وهذه حقيقة أولى. ثانياً الدعم السريع يختلف في طريقة قتاله عن الجيش باعتبار أن الجيش يعتمد حفر الخنادق وطريقة الصندوق القتالي، وهذه ليست من تكتيكات الدعم السريع. وعليه فقد ظهر تفوق الدعم السريع جلياً في معركة الخرطوم، وفي المعارك الأخرى، وظل الجيش يخسر الموقع تلو الآخر. حتى فقد ما يقارب 95% من العاصمة، وأصبح مُحاصراً داخل مقرات محددة، في أمدرمان وشمالها، أو في بعض الولايات التي ما زال يحتفظ فيها ببعض الفرق. ومن الواضح إنه إذا كان الشعب السوداني يراهن على هذا الجيش في حرب خارجية، لخسرنا ولخسر السودان ويمكن لأصغر دولة في جوارنا أن تحتل السودان في زمن وجيز. وفي النهاية نحن لا نتمنى هذه الحرب باعتبارها اقتتال (سوداني – سوداني). ولكنها تكشف وبوضوح عن ضرورة بناء جيش، وضرورة إبعاد الفاسدين من قيادة هذه المؤسسة. كما تظهر ضرورة إبعاد الإسلاميين الذين حولوا كافة مؤسسات الدولة – بما فيها الامنية والعسكرية – إلى مشاريع استثمارية لمصالحهم الخاصة، وحولوا المسألة إلى شركات وبنوك، وإلى امتيازات. وأصبحوا يتصارعون فيما بينهم على من يستولى على أكبر حصة، وأكبر مقدار من المال، وتركوا الجنود بلا تسليح، وبلا حتى أحذية عسكرية. وكثير من الذين انضموا إلى ارتكازات الدعم السريع كانوا جوعى. لأن القيادة تبيع امداد الجنود في الاسواق حتى في ظل الحرب، وهذه مسألة يجب أن يعلمها الشعب السوداني. أيضا هنالك التعداد غير الواقعي، بمعنى أن هنالك ميزانية الجيش التي تحسب له، باعتبار أن تعداده 220 الفاً من ضابط إلى جُندي. وهؤلاء كلهم يصرفون رواتب وبدلات تعيينات. لكن العدد الكلي والحقيقي للجيش كما تظهر الوثائق التي عثرت عليها (قوات الدعم السريع) لا يتجاوز 60 الفاً، بما فيهم الضُباط. فأين تذهب هذه الامتيازات الأُخرى والرواتب والميزانيات التي تخرج من وزارة المالية للجيش السوداني؟ وهذه حقائق سيكشف عنها الدعم السريع في وقت آخر. هذا هو الفساد، الذي قاد الجيش إلى الحروب دون استعداد كافي، والآن هرب مُعظمهم الى الولايات، وبعضهم الى خارج السودان بعد أن خسروا المعارك، وما زالوا يعولون على انتصارات وهمية في السوشيال ميديا.
الإسلاميين حولوا مؤسسات الدولة – بما فيها الأمنية والعسكرية – إلى مشاريع استثمارية