السودان

كمال عمر: الدعم السريع رصيد لتطوير منظومة السودان العسكرية 

قال الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر، إن عمليات قتل السودانيين والانتهاكات الجسدية وتشريد الأبرياء المستمر جراء الحرب، يمكن أن يُفضي إلى إيصال أطرافها – الجيش والدعم السريع – إلى المحكمة الجنائية الدولية. لافتًا إلى وجود طرف مستفيد يسعى لإحراق البلاد من أجل نسف العملية السياسية. ورسم عمر في حوار مع وكالة (راينو) الإخبارية صورة لأوضاع قاسية ومأساوية واجهها السودانيون أثناء النزاع المُسلح الذي يجري في السودان. وحدد عمر العقبات التي تواجه التفاوض بعدم توفر الإرادة وحشد التعبئة ضد وقف الحرب، وقال أن هناك طرف مُستفيد من هذه الحرب يريد حرق البلد من أجل نسف العملية السياسية. وحول أبرز نقاط أجندة المفاوضات يرى كمال عمر أنها تتلخص في وقف إطلاق النار، وسحب العناصر المُسلحة من منازل المواطنين والمواقع الحيوية.

(*) برأيك إلى أي مدى تُشكل هذه الحرب نقطة تحول جوهرية في تاريخ بناء الدولة السودانية، ومُعالجة كافة القضايا؟

تُمثل هذه الحرب الجارية نتيجة حتمية لطريقة حكم السودان منذ الاستقلال، فقد صمم المُستعمر دستوراً ونظاماً سياسيّاً يشبه نظامه، دون مراعاة للتباين بين القبائل واتساع الرقعة الجغرافية، واختار لنا النظام البرلماني وشكل الدولة المُوحدة، فثار الجنوب مُطالبًا بالفدرالية. لكن الحكومة المركزية واجهت هذه المطالب بالقمع، مما حمل الجنوب لاعتماد العمل المُسلح الذي انتهى إلى انفصاله عن البلاد وقيام دولة مستقلة. وشهد السودان اضطرابات وثورات والعديد من الانقلابات العسكرية، في ظل غياب الدستور الذي يلبي تطلعات الشعب، وثار الهامش المظلوم. أما الحرب الحالية فهي إفراز لغياب مؤسسات الدولة المُستقلة. والصراع العسكري الحالي هو شكل من أشكال عدم القبول بالإصلاح المؤسسي، والتدخل الحزبي، وصبغ المؤسسات العامة بالأيدلوجيا، ومع ذلك أنا متفائل بالنتيجة التي ستنتهي إليها الحرب، لأنها ستؤدي إلى نظام فيدرالي حقيقي، في ظل دولة ديمقراطية.

طرف مستفيد من الحرب يسعى لإحراق السودان

(*) ثمة تحولات كُبرى حدثت في الحرب، أبرزها تحول النقاش من أجندة إصلاح الجيش ودمج الدعم السريع، إلى الحديث عن تأسيس وبناء جيش جديد. ما هي دوافع ذلك وإمكانية تحقيقه؟

المُعادلة على أرض الواقع حالياً تغيرت، والعلاقة بين أطراف الأزمة (الحرب) أصبحت ندية وعدائية، وكل طرف يبحث عن تأمين مستقبله في الوجود. الدعم السريع بعد (15) أبريل لن يرضى بالدمج في الجيش، لأن هذه الخطوة تعني نهايته في الوجود العسكري والسياسي، وفي المقابل لن يرضى الجيش بالإصلاح، وقد قاتلت معه عناصر محسوبة على الإسلاميين، الذين لن يرضوا بالتفكيك، ولذلك لا يمكن أن تحل هذه القضية إلا ضمن إصلاح المؤسسات وفي إطار مهام الحكومة الانتقالية الجديدة. وحتى الحكومة الجديدة لا يمكن أن تكون بمواصفات الاتفاق الإطاري، إذ أنه وبعد الحرب ظهرت مُستجدات جديدة، ينبغي فيها تتسم بخطوات مُصالحة، ووفاق سياسي جديد.

(*) فتحت الحرب أبواباً واسعة للنقاش بين السودانيين والنخب الفكرية على وجه الخصوص، إلى أي مدى يمكن أن يُسهم ذلك في بلورة وبناء مشروع وطني بأجندة جديدة لصالح كل السودانيين؟

النقاش الجاري الآن بين النُخب الفكرية مُهم على صعيد إيجاد مخرج للأزمة السياسية الراهنة. صحيح هو نقاش طلق وغير مؤطر في نُظم سياسية، ولكنه يُعبر عن وعي مجتمعي يُمكن أن يُساعد في بلورة الحل. ونحن نحتاج إلى مؤتمرات لقضايا الأزمة تشارك فيها الولايات بتمثيل للقبائل والإدارة الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، والتجربة الإنسانية تشير إلى أن الأمم نهضت بعد الحروب، واستفادت من تجربتها كالولايات المتحدة في تجربة المؤتمر الدستوري في فيلادلفيا، وتجربة روندا.

(*) مُنذ بداية الحرب منتصف أبريل الماضي وبعد مضي أكثر من 100 يوم كيف تقيم الميزان العسكري؟ ولمن التفوق ميدانياً؟ وما هو التكتيك العسكري الذي اتبعه الدعم السريع في الحرب؟

هذه الحرب لا كاسب فيها فالدم الذي يراق والدمار الذي لحق في البنية الاقتصادية هو سوداني وليس عدوًا خارجيًا. بالتالي هذه الحرب شردت ودمرت وأبادت كثيرين، فالمتفوق عسكريًا هو خاسر، والمتقدم في التكتيك هو فاشل. أما عن الدعم السريع فهو الابن الشرعي للقوات المسلحة، ولا تعليق على من هو المُنتصر. ونحن نكرر أن خطنا السياسي مُتعلق بوقف هذه الحرب، لأنه لا مستقبل للطرفين في حكم السودان، الذي لن يقبل بحكم العسكر.

فظاعات الحرب ستوصل أطراف النزاع للمحكمة الجنائية الدولية

(*) اتفق مراقبون أن الدعم السريع حقق انتصارات عسكرية وميدانية لكن تهم الانتهاكات تجاه المدنيين حدت من التعاطف معه، وقللت من الالتفاف حوله؟

الدعم السريع حركته الميدانية سريعة، وذات طبيعة قتالية متطورة. هكذا نشأ وترعرع في كنف نُظُم عسكرية سودانية شاركت القوات المسلحة في تدريبه، أما على مستوى الفرد و مقدراته القتالية، فهي يمكن تكون رصيداً للسودان في تطوير منظومته العسكرية. صحيح أن المُمارسات تجاه المواطنين كانت مؤلمة، وخصمت من رصيده السياسي، لكن يجب أن لا ننسى القوات المسلحة وقصف الطيران الذي تسبب في رأي سالب نحوها. المهم في هذا الصراع أنه أخر التحول الديمقراطي، ولابد من الحكومة المدنية. ويرى بعض المُراقبين أن أياً من الطرفين – الجيش والدعم السريع – لم يتمكنا من تحقيق انتصار ساحق، إذ تصطدم هيمنة قوات الدعم السريع على الأرض في العاصمة الخرطوم، بنيران سلاح الطيران. والسبيل هو الاتجاه للتفاوض، ولا حل لهذه الحرب إلا عبر التفاوض السياسي المُفضي إلى تسليم السُلطة للمدنيين، والطرفان لا مستقبل سياسي لهما، بل يُمكن لهذه الحرب أن تقودهما إلى المحكمة الجنائية الدولية.

(*) ما هو الجديد في تفاوض الطرفين؟ وما هي العقبات التي تحول دون تقدم حقيقي في أجندة التفاوض. وأبرز الأجندة التي يمكن تحقيقها؟

لا جديد في التفاوض، وكل طرف يريد تحقيق نصر حاسم. وهنا أكرر ما قلته عن إن الحسم العسكري لا يؤدي إلى نتيجة سياسية في صالح المُنتصر. هناك مجهودات بُذلت عبر دول الجوار لكنها كانت مرفوضة من قبل القوات المسلحة، ما عدا مُقررات القاهرة، وأعتقد أن المنبر المناسب للمفاوضات هو منبر جدة، ولكن هناك تفاوضاً شبه سري.

(*) كيف تنظرون إلى تصريحات قادة الجيش وعدائهم للمجتمع الدولي من (فولكر) إلى (روتو) والإيقاد وغيرها؟

– التصريحات العدائية تجاه المجتمع الدولي لا تخدم المصلحة العامة، فنحن جزء من المجتمع الدولي، و(فولكر) جاء بقرار من حكومة كان الجيش مُشاركاً فيها. أما الإيقاد فهي لا أثر لها، ومُطالبة بالحيدة ولعب دور توفيقي.

(*) لماذا اتجه الجيش للتحشيد في الحرب الدائرة حاليًا؟

طبعًا التحشيد نتيجة طبيعية لحالة الحرب لأن الجيش لم يتمكن من هزيمة الدعم السريع طوال الفترة السابقة، ولذلك تجيء دعوات التحشيد، وأسوأ ما فيها محاولات النظام السابق لتبنيها.

(*) أين يقف المؤتمر الشعبي من الحرب الحالية؟ وهل ستشاركون في المفاوضات؟ وماهي رويتكم ؟

موقف المؤتمر الشعبي الآن تجاه الحرب هو وقفها وهو لا يدعم أي طرف في مواجهة الآخر، بل يؤمن على ضرورة بناء جيش واحد يُمثل كل الشعب. وحزبنا قدم مبادرة لوقف الحرب ويعمل مع قوي الإطاري في توحيد الجبهة الداخلية لأجل إحلال السلام، وسنشارك في مفاوضات جدة بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار