السودان

أطلق الدعم السريع سراحهم منفرداً .. لماذا يرفض الجيش السوداني استلام أسراه؟

تقرير: راينو

قالت قوات الدعم السريع إنها أطلقت خلال الأسبوع الجاري سراح 537 من ضباط ومنسوبي الشرطة السودانية المحتجزين لديها منذ اندلاع الحرب في الخرطوم مع الجيش في منتصف أبريل 2023.

وأطلقت قوات الدعم السريع في وقت سابق خلال شهر مايو الماضي سراح 202 من أسرى الجيش بحسب بيان صادر عنها، ليبلغ مجموع ما أطلق سراحه 739 أسير منذ بداية الحرب، بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالسودان.

غياب ورفض:

وتمت عملية الإفراج عن الأسرى في غياب الجيش السوداني واللجنة الدولية للصليب الأحمر كما جرت العادة، حيث اتهمت قوات الدعم السريع الجيش برفض استلام منسوبيه، واستندت في اتهامها للجيش على عدة شواهد، منها قيام الجيش بقصف مقر تسيطر عليه قوات الدعم السريع يأوي عدداً مقدراً من كبار ضباطه، ما نتج عنه مقتل وإصابة 26 من أسراه، بجانب ما وصفه بيان الدعم السريع بعرقلة عملية إخلاء كانت مقررة خلال ديسمبر الماضي لمدنيين – بينهم أجانب – كانوا محتجزين بكنيسة “القديسة مريم” بالخرطوم بواسطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعد الاتفاق مع الطرفين، حيث قام الجيش باستهداف القافلة ما أدى إلى مقتل شخصين، وإصابة سبعة آخرين، بينهم ثلاثة من موظفي اللجنة الدولية للصليب الأحمر .

عملية غامضة:

أما عملية إطلاق الأسرى الأخيرة التي تمت بمبادرة قادها الشيخ إدريس أبو قرون، وهو أحد رجالات الطرق الصوفية في السودان، فقد صاحبها بعض الغموض في ظل تبادل الاتهامات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، حيث اتهمت الأخيرة الجيش برفض استلام أسراه.

 وأوضح بيان صادر عنها إن الخطوات جاءت بعد مخاطبة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأضاف البيان:(شرعت اللجنة في إجراءات بين الطرفين لإتمام عملية الإفراج، لكن الجيش أخذ يماطل ويضع العراقيل أمام عملية التسليم والتسلم)، بينما نفى الجيش هذه الاتهامات. وذكر الناطق الرسمي باسمه أن القوات المسلحة لم تتلق من المنظمة الدولية أي اتصالات أو مكاتبات تتعلق بهذا الشأن.

ضبابية موقف الجيش:

إلا أن خبيراً عسكرياً تحدث لـ”راينو” – فضل حجب اسمه – يرى أن موقف الجيش لايزال ضبابياً، وغير واضح في مسألة رفضه استلام أسراه. وفي حال رفض فعلياً، يأتي ذلك في إطار الحالة النفسية العامة للجيش، ومحاولة فرض هيبته من خلال مواقف الممانعة التي تفسر في سياق عدم اعترافه بقوات الدعم السريع. وأشار الخبير العسكري في حديث لـ”راينو” إلى أن الجيش ربما يرى أنه بتعاطيه مع قوات الدعم السريع، يمنحه بطولة مجانية. خاصة وأن قوات الدعم السريع أبدت تفاعلها عاجلاً مع مبادرة “الشيخ أبو قرون”.

وتتجه معظم التحليلات إلى تعزيز رواية أن الجيش يتخوف من استلام الاسرى نتيجة لتعرضه لضربات استخباراتية موجعة من قبل الدعم السريع، ويدللون على ذلك بأحاديث لمدير المباحث المركزية الاسبق الفريق عابدين الطاهر، الذي حذر من مغبة التعامل مع العدد الكبير من أسرى ضباط الشرطة الذين افرجت عنهم قوات الدعم السريع بعد اعتقال دام لنحو عام لبعضهم، وشدد على ضرورة إخضاعهم لاستجواب ممن لديهم مقدرات وفهم أمني عالي، لأن الأسير غالباً ما يخضع لإغراءات واتفاقيات.

واعتبر عابدين في تسجيل صوتي خاطب به زملائه إن عملية إطلاق سراح الاسرى “غير طبيعية”، وأضاف:(أنا شخصياً أضع عليها كمية من علامات الاستفهام، ومن الواضح أن هناك هدفاً من ذلك، لكني لا أعرف المغزى والمطلوب من ذلك، فما حدث غير طبيعي، وفيه علامات استفهام كثيرة جداً، يجب ألا يتم التعامل معه بعفوية).

وتابع:(لذلك يجب ان يتم التعامل مع هذا الموضوع بحذر شديد، حتى لو كانوا ضباط شرطة في الخدمة وتم اسرهم كونهم مكثوا فترة طويلة جداً مع الدعم السريع، وهناك احتمالات بان يكون قد تم استقطاب عدداً منهم).

وشدد عابدين على ضرورة عزلهم اولاً، واستجوابهم، ولو استمر لخمسة او ستة شهور، وحذر من إعادتهم مجدداً للعمل في وحداتهم قائلاً:(هذه المسألة خطيرة للغاية).

القانون الدولي:

مع ذلك، تم إطلاق سراح الأسرى بشكل منفرد في غياب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي اكتفت بموافقة مكتوبة سلمتها لقوات الدعم السريع التي تحتجز الأسرى، وفي غياب الجيش السوداني الذي ينتسب له الأسرى.

وتتيح اتفاقيات جنيف أشكالاً واسعة من أنماط الحماية لأسرى الحروب فيما يتعلق بالمعاملة غير الإنسانية والمهينة، وكيفية إطلاق سراحهم. وضمنت الاتفاقيات حقوقهم ووضعت قواعداً مفصلة، تحكم معاملتهم والإفراج المحتمل عنهم.

ويمنح القانون الدولي الإنساني الحماية للأشخاص الآخرين الذين حرموا من حريتهم بسبب النزاعات المسلحة، عسكريين كانوا أو مدنيين. وفي الحالة السودانية كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد قالت في وقت سابق إنها لا تستطيع الوصول إلى أماكن الاحتجاز، إلا أنها تلقت ما وصفته بـ”رسائل إيجابية” ، حيث لم ترد إشارة في القانون الدولي للحالة السودانية التي تم فيها إطلاق سراح الأسرى من قبل الجهة المحتجِزة منفردة، كما فعلت قوات الدعم السريع .

وبحسب قانونيون، تمثل اتفاقية جنيف الثالثة الإطار القانوني الأكثر شمولًا للنظام القانوني الدولي الحديث فيما يتعلق الأمر بحماية أسرى الحروب، إلا أنها يعاب عليها عدم مواكبتها ومعالجتها لجميع التحديات المعاصرة التي يواجهها العالم في مسألة الاحتجاز في الوقت الحالي، ونبه الخبراء إلى وجوب عدم غض الطرف عن القواسم المشتركة والتعارض بين أحكام اتفاقية جنيف الثالثة، وغيرها من الأطر القانونية والتقاليد التي تؤثر على سلوك حاملي السلاح.

غياب الحقيقة:

من جانبه يقول المحلل السياسي “محمد عبد النبي” إنه إذا صحت رواية قوات الدعم السريع حول رفض القوات المسلحة استلام منسوبيها فهذا أمر غريب، ولم يحدث في تأريخ الحروب، وهو أدب جديد في الحروب يضيفه الجيش السوداني لقائمة ردود أفعاله الغريبة والعبثية، التي وضعت البلاد وشعبها في مصير مجهول بتصرفاته غير المسؤولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار