السودان

د. عمر القراي لـ”راينو”: الإصلاح لا يكفي ولا بد من بناء جيش وطني جديد

حاوره: سليمان عيسى مسار

شدد الناشط السياسي والتربوي د. “عمر القراي”، على أنه لن يكون هناك نصر حاسم في حرب الخامس عشر من أبريل بين الجيش والدعم السريع في السودان، وقال في حوار لـ”راينو”:(الدعم السريع متفوق عسكريا بدليل ان الحكومة كلها هربت إلى بورتسودان ولكني ارى انه ليس نصراً حاسماً، وأضاف:(أعتقد ان النصر الحاسم صعب، ويقتضي ان ينحاز الشعب إلى احد طرفي الصراع، وهذا لم يحدث).

(*) برأيك إلى أي مدى تشكل هذه الحرب نقطة تحول جوهرية في تاريخ بناء الدولة السودانية ومعالجة كافة القضايا؟

من المؤكد ان الحرب ستحدث تغييرا كبيرا في مسار تطور الدولة السودانية، وذلك لأنها قفزت بالوعي الجمعي للمواطنين بصورة لم يسبق لها مثيل. لقد برزت الحاجة الماسة للسلام وللأمن الذي لا يتأتى اإا بالمساواة وقبول الاخر، الأمر الذي يجعل الديمقراطية أمر “حياة أو موت”، وليس ترفاً نظرياً. الحرب لن تعالج القضايا، ولكنها توضح المشكلة. وعلى الإرادة السياسية أن تقدم العلاج، وتقنع الشعب به.

الإخوان المسلمون يرفضون التفاوض خوفا من عودة شعارات الثورة في المطالبة بالنظام المدني الديمقراطي

(*) ثمة تحولات كبرى حدثت في الحرب، أبرزها تحول النقاش من أجندة إصلاح الجيش ودمج الدعم السريع، إلى الحديث عن تأسيس وبناء جيش جديد، فما هي دوافع ذلك وإمكانية تحققه؟

عبارة الاصلاح قد تفيد تغيير بعض الظواهر السالبة، والابقاء على نفس المؤسسة القديمة. ولهذا وبعد الممارسة التي حدثت والجرائم التي ارتكبت يرى البعض إن مجرد الاصلاح لا يكفي، وإنما نحتاج إلى بناء جيش جديد.  لكني ارى ان الإصلاح إذا كان جوهريا، فإنه يمكن أن يشمل الهيكل والأهداف والعقيدة والرؤية، والتربية الوطنية الجديدة والتكوين التنوعي، والخضوع للسلطة المدنية، وذلك ما نريد.

 (*) فتحت الحرب أبواب واسعة للنقاش بين السودانيين والنخب الفكرية على وجه الخصوص، فإلى أي مدى يسهم ذلك في بلورة وبناء مشروع وطني بأجندة جديدة لصالح كل السودانيين؟

لقد حدثت حروب قبل هذه وقتل الآلاف في جنوب السودان وفي دارفور وشردوا كنازحين ولاجئين، لكننا في الخرطوم وفي الوسط والشمال والشرق لم نشعر بتلك الحروب، ولم نتعاطف مع الضحايا حتى جاءت إلينا الحرب في أماكننا التي كانت آمنة. لقد طرحت الحرب قضية الوطن ككل ولأول مرة قضية “حتمية” وضرورة التعايش السلمي القائم على المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن الواحد.

لقد أشارت ثورة ديسمبر إلى المشروع الوطني الجديد حين رفعت شعار “حرية سلام وعدالة”، وجاءت الحرب لتؤكد ان تطبيق هذه الشعارات هو الذي يحقق الثورة في الواقع، ويأتي بالتغيير الذي طال انتظارنا له.

تأييد الجيش بعد أن قصف المدنيين بالطائرات يطعن في وطنية من يؤيده والإسلاميون يعاقبون الشعب لأنه رفض أن يتبعهم في مخطط الحرب الأهلية

(*) منذ بداية الحرب في الخامس عشر من أبريل وبعد قرب اكمالها العام، كيف تقييم الميزان العسكري؟ لمن التفوق ميدانياً؟ وما هو التكتيك العسكري الذي اتبعه الدعم في الحرب؟

رغم تضارب الأخبار والآلة الإعلامية الضخمة لفلول النظام البائد، ارى ان الدعم السريع متفوق عسكريا بدليل أن الحكومة كلها هربت إلى بورتسودان. ولكني أرى انه ليس نصراً حاسماً واعتقد ان النصر الحاسم صعب ويقتضي ان ينحاز الشعب إلى أحد طرفي الصراع وهذا لم يحدث. ولقد اضاع الدعم فرص كبيرة بسبب الاعتداءات التي يقوم بها افراد متفلتين أو كتائب إخوانية وحركات متحالفة معهم تلبس لبس الدعم السريع لتشوه صورته بأفعال منكرة، وقد نجحت إلى حد كبير في ذلك.

 (*) اتفق الكثير من المراقبين على أن الدعم السريع حقق انتصارات باهرة عسكرياً وميدانياً، فبرأيك لماذا يجر الجيش الصراع باتجاه الحرب الأهلية ويعمل للتجييش؟

الجيش لا يريد استمرار الحرب، ولكن الإخوان المسلمون هم الحريصون على ذلك. وهم الآن يقودون الجيش خلف أجندتهم. هم يريدون للحرب ألا تقف وأن تستمر، لأنها إذا وقفت ستأتي الحكومة المدنية فتعزلهم سياسياً وتطاردهم قانونياً حتى تسترد منهم أموال الشعب التي نهبوها لثلاثين عاماً. هم الآن يمارسون إرهاب وعقاب الشعب لاأه رفض ان يتبعهم في مخطط الحرب الأهلية. وهذا هو سبب الهجوم والاعتداء بالدراجات النارية على قرى الجزيرة، والقصف بالطيران لقرى النيل الأبيض ودارفور.

(*) يرى بعض المراقبين ان اي من الطرفين الجيش أو قوات الدعم السريع لن يتمكن من انتصار ساحق إذ تصطدم هيمنة قوات الدعم السريع على الأرض في العاصمة الخرطوم بنيران سلاح الجو، والسبيل الوحيد هو الاتجاه للتفاوض؟

اتفق مع هذا الرأي، لكني أرى أن الإخوان المسلمين لن يدخلوا في تفاوض أو يقبلوا به، إلا إذا تمت هزيمتهم بصورة ساحقة. ولو تمكن الدعم من “وادي سيدنا”، وسيطر على الطيران وحيده، سيتم نصر يسوق إلى التفاوض

الدعم السريع متفوق عسكريا بدليل أن الحكومة هربت إلى بورتسودان والعقبة أن الجيش وقادته تحت سيطرة الإخوان المسلمين

(*) ما هو الجديد في التفاوض وما هي العقبات التي تحول دون تقدم حقيقي في اجندة التفاوض، وما هي أبرز الأجندة التي تسعون لتحقيقها؟

التفاوض لا يريده الإخوان المسلمون، لأنهم لا يريدون ان تتمكن الثورة التي أطاحت بهم من تحقيق هدفها في النظام المدني الديمقراطي، وهذه هي العقبة. لأن الجيش وقادته تحت سيطرتهم، ورهن اشارتهم. وأنا اسعى لرفع الوعي بضرورة السلام كخطوة أولى، ثم الحرص على تحقيق مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة.

(*) كيف تنظرون إلى تصريحات قادة الجيش وعدائهم للمجتمع الدولي من “فولكر” إلى “روتو” والايقاد وغيرها؟

واضح إنها مواقف الاخوان المسلمين، والجيش فقط ينفذها، ومواقف الإخوان تتسم بالمراهقة السياسية وادعاءات القوة. وما نراه اليوم هو امتداد لتصريحات البشير “أمريكا تحت جزمتي”، ثم خوفه الذي دفعه ليطلب من روسيا ان تحميه من أمريكا.

والإخوان المسلمون – في جوهر فكرتهم – لا يعترفون بالمؤسسات الدولية ولا الدول الأخرى، لأنها كلها بالنسبة لهم دول “كافرة”، يخدعونها حتى يستطيعوا القضاء عليها حين يملكوا القوة.

(*) عدد من المراقبين يؤكدون أن الجيش ما هو إلا كتيبة تتبع للحركة الإسلامية، بدليل سيطرتها على قيادته. ما مدى صحة ذلك برأيك؟

الحركة الإسلامية منذ عام “1991”، احتكرت الكلية الحربية لعضويتها فقط، ثم قامت بعد ذلك بفصل المئات من الضباط والجنود – خاصة بعد حركة رمضان “1990” – وفرضت على الضباط دبلوم الدراسات الإسلامية الذي كان يدرس أفكارهم في جامعة افريقيا. فهذا التخبط الذي نراه في موقف الجيش سببه أن قيادته تتبع تعليمات الاخوان المسلمين، وهم قيادات مختلفة ومتفرقة. وقبل ان يختلف الجيش والدعم السريع انتقلت عناصر من الحركة الاسلامية الجيش إلى الدعم، فالآن الدعم أيضاً به إخوان مسلمين، وهذا خطر على الدعم ما لم تتغير هذه المجموعة تماما ً، ويظهر لها خطل فكرة الإخوان المسلمين ومبلغ جرائمهم.

(*) ثمة انحيازات صارخة فضحت مواقف المثقفين بالاصطفاف للجهة والقبيلة، وتفاجأ الكثيرون بمواقف د. “عشاري” ود. “عبد الله علي إبراهيم” ود. “محمد جلال” و”الواثق كمير” لجانب الجيش، على الرغم من كونهم محسوبين على معسكر الثورة تاريخياً؟

أي غفلة أو تجاهل لحقيقة أنه لم يعد هناك جيش، وإنما مليشيا تابعة للإخوان المسلمين، تدل على سطحية في التفكير. وأي تأييد للجيش بعد أن قصف المدنيين بالطائرات – مهما كانت المبررات – يطعن في وطنية الشخص المؤيد له، ومدى ارتباطه الحقيقي بهذا الشعب.

المثقفون الذين ذكرتهم لم يهمني منهم الا د. “محمد جلال هاشم”، فهو الذي يقف الموقف الذي لا يشبهه، ولكن كما يقول السادة الصوفية “أقام العباد فيما أراد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار