السودان

حمدوك من القاهرة: توسعة تقدم مشروطة بالموقف من الحرب ومن التحول الديمقراطي

القاهرة: راينو

ارتياح واضح كان يطل من أعين أعضاء وفد تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” بمعية رئيس الوزراء المنقلب عليه د. “عبد الله حمدوك”، لدى تجولهم في فندق “جي سي ماريوت” بالقاهرة. مناقشات جادة تتخللها الابتسامات، وتأكيدات عبر لغة الجسد، تشي بأن ما قبل زيارة “تقدم” للقاهرة لن يكون كما هو بعدها، فكيف كانت كواليس الزيارة؟

التوقيت والجلسة:

ما إن أعلنت عقارب الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، إلا وكان رئيس الوزراء السوداني المنقلب عليه رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) د. “عبد الله حمدوك” بمعية رئيس مجلس رئاسة الوزراء الأسبق السفير “عمر منيس” يهبطان بضع درجات على فناء خلفي في الفندق الفخيم المطل على النيل، كانت مجموعة محدودة من الصحفيين الذين أجبرتهم ظروف الحرب والاستهداف للخروج من السودان، تنتظره على منضدة طويلة وممتدة، وفي مقدمتهم الصحفي “عثمان فضل الله، فائز السليك، الطاهر المعتصم، شوقي عبد العظيم، جمال عبد القادر، سامية صالح، نضال عجيب، محمد محمد عثمان، عطاف محمد مختار، وعمرو شعبان”.

ماذا دار في الزيارة؟

ابتدر الحديث د. “عبد الله حمدوك” بالقول أن زيارة مصر مفتاحية، وأنهم جاءوا تلبية لدعوة رسمية من الحكومة المصرية، للتفاكر بشأن الازمة السودانية. منوهاً إلى أنهم في “تقدم” خاطبوا في وقت من الأوقات كل دول الجوار بهدف شرح أبعاد ما حدث في السودان، وأضاف:(تواصلت معنا القاهرة مؤخراً، ودعتنا للحوار فجئنا تلبية للدعوة).

وشدد “حمدوك” على أنهم لمسوا من كل الجهات التي التقوها في مصر تفهماً منقطع النظير للازمة السودانية، فقال:(تطابقت رؤاهم مع رؤانا)، وأضاف:(التطابق بلغ حد الاتفاق على أنه لا يوجد حل عسكري للازمة، بل هناك أهمية وضرورة وجود حل سياسي متفاوض عليه، في ظل مسلمات الجيش الوطني الواحد، ووحدة السودان أرضاً وشعباً).

وأكد رئيس وزراء السودان “المنقلب عليه”، أنهم ركزوا على ثلاثة محاور في مناقشاتهم مع الجانب المصري، وحددها في إيقاف الحرب – اليوم وليس غداً – بحكم الاهمية القصوى لمعاناة الشعب السوداني، فضلا عن الازمة الانسانية المستفحلة، بالإضافة الى أزمة النزوح واللجوء التي فاقت حد الوصف، منوهاً إلى أن القاهرة اتفقت معهم على أن ذلك يعد مدخلا مهما لإيقاف الحرب. وقال:(اتفقنا، بل وكان هناك توافقا على أهمية توصيل المعونات الإنسانية، سواءً عبر تشاد، أو جنوب السودان، أو اثيوبيا).

المفاجأة المصرية:

وأكد “حمدوك” اتفاقهم مع الجانب المصري في ملف “العون الإنساني، باعتبارهم المحور الثاني للمناقشات، وعلى أهمية وضرورة الهدنة استجابة لقرار مجلس الامن “2724”، كاشفاً عن المساهمة الجوهرية لمصر كدولة في اصدار هذا القرار، وأضاف:(تفاجأنا بالقرار في ظل المناخ الدولي والاقليمي الذي يعيشه العالم، فمجلس الأمن ظل “أعرجاً” منذ الحرب الاوكرانية، وبالتالي فإن “14” صوتاً لصالح القرار في مقابل صوت واحد لروسيا التي امتنعت، يعد حدثاً يحتاج إلى إكمال وتطويره كموقف. مُبينا أن ما حدث يُعد ظاهرة، ومؤشراً على أن المجتمع الدولي، يستشعر الازمة ووجوب حلها.

وكشف “حمدوك” عن تحدثهم مع مصر حول ضرورة ان يكون لها دور فاعل في الملف السوداني، مشيراً إلى أنه “ولأول مرة”، يكون هناك هذا العدد الكبير من الفاعلين في القاهرة وأديس أبابا وغيرها من العواصم، مما يتيح لها أن تلعب دوراً فاعلاً في الأزمة، ولو عبر منبر. وأضاف:(شددنا على أن أي منبر يجب أن يبدأ من حيث وقف المنبر السابق)، وتابع:(القاهرة اتفقت معنا على أن تعدد المنابر “يضيع” القضية. منوهاً إلى أن القاهرة أبدت تفهماً كبيراً واستعدادا كاملا للعب دور، استناداً على أن المدخل الصحيح للحل هو النظر لحقيقة أن استقرار السودان من استقرار مصر. وتابع:(مصر مستشعرة بأن الازمة عندما تتجاوز المناورات وامكانية وصولها لمرحلة انهيار الدولة فإنه من الصعب لملمتها مرة أخرى).

أوضاع السودانيين أولوية:

وأبان حمدوك أنهم ناقشوا مع الجانب المصري أوضاع السودانيين في مصر، بحكم انها من استضافت العدد الأكبر من السودانيين، وكذلك ما يحدث من مشكلات في ملف الإقامات والعلاج والتعليم، وأضاف:(القاهرة ابدت استعدادها للمعالجات بشكل عاجل).

وأبان رئيس الوزراء المنقلب عليه، توافق تنسيقية “تقدم” مع القاهرة على أهمية توسعة الجبهة ولكن بشرطين رئيسيين أولهما الموقف من ايقاف الحرب وثانيهما الموقف من التحول المدني الديمقراطي، وقال:(مسألة الشمول لها اشتراطات فمن يؤجج الحرب ويحرض عليها ومن خرب العملية السياسية لا يمكن أن يكون جزءا من الحل. واضاف: شعرنا بتفهمهم التام لأهمية حل الازمة السودانية).

وكشف “حمدوك” عن مخاطبتهم لقائد الجيش “عبد الفتاح البرهان” وقائد الدعم السريع “محمد حمدان دقلو”، وأضاف:(“حميدتي” استجاب، بينما لم يستجب “البرهان” في البداية)، كاشفاً عن تواصله الشخصي مع قائد الجيش أكثر من مرة، مشيراً إلى أصرار البرهان على حضور “تقدم” الى بورتسودان وقال:(اضطررت للرد عليه بأن وجودك نفسه في بورتسودان وضع غير طبيعي، والأفضل أن نلتقي في مكان يتيح لنا التعامل مع بعضنا بندية، خصوصاً وأنه ليست لدينا أجندة شخصية). وأضاف:(مؤخراً شعرت إنه يريد الاستجابة). كاشفاً عن اقتراحهم على “القاهرة”، أن تستضيف لقاء البرهان وحميدتي.

جرد حساب “تقدم”:

وأكد د. “عبد الله حمدوك” أن تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” منذ اليوم الأول خطوة في الاتجاه الصحيح، واستدرك:(لكنها ليست كل السودانيين، وعلينا الاستفادة من توسعتها، وفق شرطي الموقف من إيقاف الحرب، ومن التحول المدني الديمقراطي).

وشدد “حمدوك” على أنهم ليسوا منحازين لأي طرف من الأطراف، مشيراً إلى أهمية النظر إلى خطاب الدعم السريع – غض النظر عن الموقف منه – إلا أن شعاراته صحيحة، في مقابل خطاب للجيش الذي يعتمد على “بل بس”، واستمرار الحرب، بلا أي حساسية لأوضاع ومعاناة الناس. وقال:(“تقدم” كرؤى وبرنامج وإعلان مبادئ وخارطة ليست منحازة لأي جهة، بل إن “الدعم السريع” هو من جاء لموقف “تقدم” وليس العكس).

وأكد “حمدوك” أنهم تحدثوا مع “الدعم السريع” حول الانتهاكات التي تحدث، وأضاف:(هم انتقدوها بالفعل، وكونا لجنة مشتركة سابقاً بعد التوقيع معهم، وقلنا لهم “إذا لم تقف الانتهاكات فإن الاتفاق لا معنى له”، ويجب حماية المدنيين).

تقدم وحركتي عبد الواحد والحلو:

وأوضح رئيس الوزراء السوداني المنقلب عليه، أنهم تحدثوا مع “البعث” و”عبد الواحد” و”الحلو”، وأنهم شددوا على أهمية تجاوز الخلافات لصالح أزمة الوجود الحالية، مبيناً أن توسعة تقدم ضرورة، وتتطلب مرونة أكبر، وقال:(لا يمكن أن نطالب الناس بالتوقيع على هياكل موجودة وبرامج موضوعة مسبقاً، هذا عمل سياسي ويجب أن تكون فيه مرونة، وبناء التحالفات يحتاج إلى صبر وتدريب، حتى يمكننا المضي إلى الأمام). وأضاف:(البعث بات قريباً).

وأقر “حمدوك” على أن البطء الملازم لعمل “تقدم” والمرتبط بتنفيذ الإجراءات العملية، جزء منه مرتبط بتركيبة “تقدم” نفسها، مشيراً إلى أنهم يعملون حالياً على التحضير للمؤتمر التأسيسي، وإن “الورش” المنعقدة حالياً صاحبتها بعض السلبيات، إذ إن الهدف منها كان استصحاب آخرين وإشراكهم)، وأضاف:(من الأفضل تغليب روح قيام مؤتمر ناجح، بدلاً عن قيام مؤتمر فقط، والنجاح مرتبط بالشمول، وعدم تكرار التجارب السابقة).

وأكد “حمدوك” أن هناك أملاً، وأنه متفائل – بطبعه – بأن السودان سيعود أحسن مما كان، مشيراً إلى أن جزءً كبيراً من نقاشاتهم، كان حول سودان ما بعد الحرب، وكيفية بنائه من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار