السودان

في فيديو قطع الرؤوس .. لماذا لجأ الجيش السوداني وحلفائه لممارسات داعش

تقرير: راينو

تصريحات متضاربة تخرج من قادة الجيش في كل مرة، فما بين قبول التفاوض حول وقف الحرب المستمرة في السودان منذ عشرة شهور، ورفضه ووضع العراقيل أمام الحل السلمي والتباهي بذلك، يجلس قادة الجيش مع قوات الدعم السريع سراً كما حدث في لقاء شمس الدين الكباشي مع قائد ثلني قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو في العاصمة البحرينية المنامة.
 ومع بروز خطابات عدائية حادة من قادة القوتين المتحاربتين على خلفية فشل عدد من المبادرات والوساطات في إيقاف الحرب في السودان رغم  الجهود المكثفة التي يبذلها الوسطاء في كل منبر يطل السؤال عن “ما هي حقيقة الموقف في ظل التصعيد المتبادل وما نشر مؤخرا من فيديوهات لذبح عناصر تتبع الدعم السريع”؟

الإخواني عبد الحي يوسف في تأبين أسامة بن لادن بالخرطوم

إصرار على الحرب:
في أماكن متفرقة، وأمام عدد من الضباط والجنود، خاطب قائد الجيش السوداني “عبد الفتاح البرهان” جنوده قائلا إنه “لا صلح ولا اتفاق” مع قوات الدعم السريع، متعهدا باستمرار الحرب، وأن التعامل مع قوات الدعم السريع سيكون على الأرض، شاركه في ذلك نائبه “شمس الدين الكباشي، الذي شدد في أكثر من خطاب على أن الجيش سيمضي في الحسم العسكري، وأنه لا فتح لأي ملف سياسي قبل إغلاق الملف العسكري.
آخر تصريحات قادة الجيش جاءت على لسان قائد الجيش السبت، قال فيها إن “الجيش السوداني لن يترك السلاح إلا بعد القضاء على المتمردين”، في إشارة إلى قوات الدعم السريع. ووفق بيان من الجيش السوداني، أضاف البرهان خلال مخاطبته ضباط وجنود”الفرقة الثالثة مشاة” بمدينة شندي في ولاية نهر النيل:(معركة الكرامة مستمرة حتى دحر هذا التمرد ومن عاونهم نهائياً). داعياً في الوقت ذاته قوات الدعم السريع إلى “الاحتكام لصوت العقل، والخروج من ولايتي الجزيرة والخرطوم”، وأضاف:(طالما أنكم تقتلون وتنهبون وتسرقون، فلا مجال للحديث معكم إلا بعد انتهاء المعركة. ولم تنجح عديد من المبادرات بما في ذلك المبادرة الأخيرة – الإيقاد – في الجمع بين “البرهان” وقائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان دقلو”، تمهيداً لوقف إطلاق النار، وإيصال المساعدات.
والجمعة أعلن الجيش نجاح المرحلة الأولى من خطة “القضاء” على قوات الدعم السريع في مدينة “أمدرمان”، وهو الامر الذي سخر منه الكثيرين، باعتبارها ليست المرة الأولى التي يتم بث فيديوهات وتصريحات تتحدث عن انتصارات، تكشف الايام كذبها.
في المقابل بدا قائد قوات الدعم السريع في آخر ظهور له، أكثر تشدداً حول خطاب قائد الجيش الذي حمل لهجة التصعيد، وقال “حميدتي”:(إن قوات الدعم السريع ستحسم الحرب في الأيام المقبلة بعد رفض الجيش لخيار الحل السلمي)، ووجه جنوده بمواصلة القتال بضراوة في كل المحاور.
وهذا ما قلل منه خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الاستراتيجية اللواء “أمين مجذوب”، ولفت اسماعيل في حديثه لـ(راينو)، إلى أن قائد قوات الدعم السريع يهدف إلى رفع الروح المعنوية لقواته التي تلقت هزائم متتالية في مدينة أم درمان، بحسب قوله.

تكتيك داعش:
المعركة بشكلها المعتاد والمألوف انتقلت الى مربع جديد عقب بث فيديوهات لأفراد يتبعون للجيش بمعية ضابط، يحملون رؤوساً لأفراد تم ذبحهم باعتبارهم يتبعون الدعم السريع، وسط تكبيرات وهتافات فرحة وسعيدة، وتهديد بأن يكون ذلك المشهد مصير زملائهم، وهو المشهد الذي عابه السودانيون وادانته الكثير من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني باعتبار أن ذلك يتجاوز كل اعراف وتقاليد واخلاق المجتمع السوداني.
وسارعت قوات الدعم السريع بإصدار بيان أدانت فيه السلوك الذي وصفته بـ”الإجرامي” والبربري لمليشيا البرهان وكتائب النظام البائد الإرهابية، بذبح ثلاثة أشخاص على أساس عرقي وجهوي، والتمثيل بجثثهم في مشهد يشبه السلوك الإجرامي لهذه المجموعات المتطرفة وينافي الأخلاق والمروءة، والدين والقوانين. وطالبت المجتمع الدولي والمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان بإدانة هذه الانتهاكات، واضافت:(الدعم السريع يحتجز عشرات الآلاف من مليشيا البرهان، لكنه لن ينجر وراء هذا السلوك غير الإنساني، والانتقاص من حقوق الأسرى).
تحليلات عديدة ترى أن تعدد الفيديوهات والمشاهد التي تمارس فيها عمليات الاحتفال بذبح الاسرى والتمثيل بجثثهم تكاثف مؤخراً، بهدف خلق احتقان اجتماعي باعتبار أن المستهدفين من قبل الجيش بتلك العمليات ينتمون لاثنيات وجهويات معينة، بالتالي سيخلق ذلك اصطفاف اجتماعي وأهلي لمواجهة ذلك، بما يخدم خط فلول النظام المُباد في استمرار الحرب من جهة، ونقلها ثانياً إلى مستوى الحرب الاهلية بين المكونات السودانية، وهو ما يؤكد المحلل السياسي “أيهاب محمد الحسن” في حديثه لـ”راينو”، بأن التوقيت نفسه يكشف حجم المؤامرة، فكلما كانت هناك تحركات دولية أو إقليمية، أو تصاعدت تيارات داخل الجيش تريد التفاوض، تبرز مثل تلك التصرفات حتى يحدث نوع من الغليان والغضب، بالتالي تضيق فرص قبول أي مقترحات حل في القريب كحد أدنى.
ويذهب “الحسن” إلى التأكيد بأن السلوك المتطرف بالذبح والتمثيل بالجثث بدا منذ فترة طويلة في الحرب، بدليل ما حدث في منطقة الثورة شهر يوليو من العام الماضي، عندما قامت عناصر من الاستخبارات بذبح أحد الأشخاص وسط المواطنين، قالت إنه من عناصر الدعم السريع، لتشتعل معارك بعد عدة أيام في ذات المنطقة، ويتفاجأ العالم ببيان اثناء المعركة للدعم السريع، يعلن فيه بشكل واضح عدم وجود قوات له في تلك المنطقة بتاتاً، واضاف:(كان ذلك دليلا على محاولات الايحاء بمصير من سيقع في يد الجيش، منوهاً إلى أن الإسلاميين والدواعش والقاعدة دخلوا الحرب منذ وقت مبكر إلى جانب الجيش، بالتالي فإن من يقوم بتلك الممارسات هو بالتأكيد متأثر بثقافة التطرف).

تحليلات أخرى ترى أن الدعم السريع ونتيجة لإبدائه في أكثر من مرة حرصه على انهاء الحرب، سواء ببقاء مفاوضيه في جدة، أو من خلال جولات قيادته في المنطقة الأفريقية وقبوله بكافة المبادرات، شرط أن تكون اللقاءات مع قيادة الجيش على مرأى ومسمع من الجميع، لم يكن أمام الجيش لرفع الحرج عن نفسه سوى أن يعمل على استفزاز الدعم السريع بمستوى يفوق التوقعات، ليكون خيار التفاوض مرفوضاً من قبل قيادته، باستخدام حوادث الذبح والتمثيل بجثث منسوبي الدعم السريع، وبث الفيديوهات المستفزة، لتحدث حالة من السخط الجماعي في صفوف جنود الدعم السريع، ومن ثم يصعب على قيادتها الموافقة على التفاوض في ظل الاحتقان الذي تسببت فيه تلك المشاهد، وبالتالي اذا وافقت قيادته على التفاوض تحدث انقسامات في صفوف هذه القوات، أى إنها محاولات من الفلول والمتطرفين لقطع الطريق على الدعم السريع حال فكر في قبول أي مبادرات لإيقاف الحرب.
بينما تذهب تحليلات أخرى إلى مستوى اعمق الاستنتاج، وترى إن الهدف من عمليات الذبح والتمثيل بالجثث، هو توصيل رسالة مفادها نقل صورة ذهنية لما يحدث في مناطق المتطرفين الدواعش والقاعدة وغيرهم، وأنهم موجودون في السودان إلى جانب الجيش. بالتالي فإن المجتمع الدولي والإقليمي، وخوفا من انتصار هذا الفريق، سيعمل على ارائهم من خلال الحرص على تسوية تضمن وجود من يقفون خلفهم في المشهد، وبالتالي يجد الاسلاميون انفسهم جزء من المشهد مرة اخرى بموافقة اقليمية ودولية، وعليه فإن تلك الممارسات تخدم خط التصعيد الذي يقوده فلول النظام المباد عملياً، عبر لافتة الجيش.

محاولات وأد الثورة:
وعلى خلفية ذلك يقول الباحث السياسي د. “حامد تورشين” لـ”راينو “، أنه ومنذ بداية الحرب لم يلمس أي جدية من الجيش أو قوات الدعم السريع للانخراط في أي عملية سلمية، وقال أن بروز هذه التصريحات، الغرض منه رفع الروح المعنوية لجنود القوتين،  لذا اختار الطرفان هذا الخيار، لحشد همم الجنود.
ويشير “تورشين” إلى أن الجيش يعرف أن أنصاره وداعميه ربما يتراجعون في حال أي حديث عن خيار سلمي، حتى الدعم السريع وشركائه الاقليميين والدوليين يناورون باستمرار الحرب. وفي هذه الحالة لم يستبعد “تورشين” استمرار الحرب لوقت طويل، باعتبار أن السودان ليس استثناءً من المحيط، سواءً كان في ليبيا أو الكونجو أو إثيوبيا أو اليمن، وقال:(أؤكد أن الذي يحدث في السودان هو عمل استراتيجي لوأد ثورة ديسمبر، ووأد التغيير الديمقراطي فيه، لأن المنظومة الإقليمية التي تدعم الدعم السريع والتي دعمت الجيش في مرحلة من المراحل، مصلحتها أن يظل السودان دولة فقيرة وضعيفة ومنهارة حتى تحقق مصالحها، ولا يمكن أن يقبلوا بأي تحول مدني في السودان، وزاد:(من المتوقع أن تستمر الحرب حتى يتم إضعاف السودان).

دعم لوجستي:
مواقف طرفي العمليات العسكرية على أرض المعركة تؤثر بشكل مباشر على مواقفهما في أي طاولة مفاوضات، كما إن الاستمرار في الحرب والرغبة في تحقيق النصر على الأرض، لا يتركان أي فرصة لنجاح المفاوضات، وهو ما يشير اليه الخبير الأمني “محمد يس”، ويؤكد في حديثه لـ”راينو” إن التصعيد الإعلامي بين الطرفين، وإعلان كليهما استمرار المعركة ورفض مواصلة التفاوض والحل السلمي، يأتي في سياق استناد كل طرف على نقاط القوة التي يراها، وحصول الطرفين على الدعم اللوجستي، لكنه استبعد أن تنتهي هذه الحرب عسكرياً، متخوفا في الوقت ذاته من التداعيات الخطيرة لذلك على الشعب السوداني والسودان نفسه، وبنيته التحتية.
ويشهد السودان عمليات حربية طاحنة منذ أبريل  من العام الماضي بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، راح ضحيتها أكثر من 13 ألف من المدنيين، بجانب تدمير البنى التحتية للدولة، وما يزيد على السبعة ملايين ما بين نازح ولاجئ، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار