السودان

كتائب الإسلاميين في السودان .. تسويق خادع للتحشيد

تقرير: راينو

(المعتصم بالله) آخر الأسماء المطلة على ساحة العنف والدماء والمعارك في السودان، عقب بث فيديوهات يخاطب فيها أحدهم ملثمين مسلحين، معلنا تسمية كتيبة (المعتصم بالله الاستراتيجية) كإحدى الكتائب المقحمة جديدا في القتال إلى جانب الجيش السوداني في الولاية الشمالية… الفيديو الذي ابتدره المتحدث بآيات من كتاب المسلمين (القران الكريم) تعمد اختيار آيات جرت العادة على استخدامها من قبل الإسلاميين المتطرفين وتنظيمهم منذ وصولهم للسلطة بانقلاب عسكري في العام (1989)، فمن هي كتيبة المعتصم بالله؟

كتيبة جديدة:

قال سياسيون سودانيون تحدثت إليهم راينو”، أن كتيبة “المعتصم بالله” الاستراتيجية التي جرى الإعلان عنها الأسبوع الماضي، ما هي إلا لافتة جديدة لذات الجماعات ذات النمط السلوكي الدموي التي تهدف للقتل وإزهاق الأرواح تحت شعارات عاطفية منها ما هو ديني جهادي، وأخرى ترتبط بالأرض والعرض تحت ما يوصف بأكذوبة الكرامة، فيما جاءت تعليقات بعض الإسلاميين السابقين بأن كتيبة “المعتصم بالله” الاستراتيجية، لا تختلف كثيراً عما سبقها من كتائب، كـ(“البراء بن مالك”، “الدبابين”، “الطيارين”، “البرق الخاطف”، و”الأهوال”)، وغيرهم من الكتائب التي أنشأها الإسلاميون من منسوبيهم الشبان، وأن معظمهم يجيء من تنظيمات الإسلاميين الطلابية، سواء “وكالة النشاط الطلابي” أو “الأمن الطلابي”، أو “الاتحاد العام للطلاب السودانيين”، فضلاً عن الأمن الشعبي والدفاع الشعبي، ويجمع بين كل تلك الواجهات تمتع منسوبيها بامتيازات وصلاحيات تتجاوز أقرانهم، سواء في الخدمة المدنية، أو العسكرية.

سر الأسطرة:

ولا يبدو أن تلك الكتائب وسمعتها جاءت صدفة أو وجدت عبثاً، بل عن طريق ما مارسته من أدوار في المشهد السياسي والأمني السوداني، وآخرها ممارسات تلك الكتائب تحت وصف “الأمن الشعبي” خلال حراك ثورة ديسمبر المجيدة في السودان، والاغتيالات والانتهاكات التي تم توثيقها عبر الثوار.

 بيد أن الأدوار الأكثر وضوحا جاءت في أعقاب انقلاب “البرهان” في الخامس والعشرين من أكتوبر للعام (2021) على الحكومة الانتقالية، حيث عملت تلك الكتائب على قمع المظاهرات وتصفية الناشطين، بل وتم إيجاد موطئ قدم لعناصرها داخل شرطة الاحتياط المركزي، التي وجهت لها الإدارة الأمريكية عقوبات فيما بعد، بحكم بطشها غير المبرر في مواجهة الثوار السلميين.

وطبقاً لتقارير إعلامية سابقة، فإن تلك الكتائب متهمة بالتورط في اغتيال ضابط كبير في شرطة الاحتياط المركزي، وتلفيق التهمة لعدد من الثوار بسبب رفضه إصدار تعليمات باستخدام القوة في مواجهة الثوار.

وقبيل حرب الخامس عشر من أبريل كان المشهد الأخير الذي فرض كتائب الإسلاميين على المسرح السوداني، من خلال خروج عدد من قيادات الحركة الإسلامية ومنسوبيها في مختلف القطاعات، يتوعدون ويهددون بإشعال الحرب وتخريب البلاد حال تم التوصل إلى أي اتفاق سياسي بين الجيش وقوى الحرية والتغيير، وهو ما حدث بالفعل بعد اقتراب توقيع الاتفاق الإطاري.

قادمة من الظل:

وارتبطت مفردة الكتائب بالمجموعات والجماعات الاستثنائية والخاصة بأجهزة الإسلاميين السرية العسكرية والأمنية، وبحسب تقارير إعلامية سابقة فقد برزت المفردة إبان حراك ثورة ديسمبر (2018) في السودان، حيث تم تداول مقطع فيديو وآخر صوتي لأحد أبرز قيادات الإسلاميين وهو “علي عثمان محمد طه”، هدد فيه المحتجين والثوار بما أسماه آنذاك “كتائب الظل”.

وطبقاً للعديد من المعلومات حول هذه الكتائب فقد أورد إسلاميون سابقون، بل وعسكريون كانوا ضمن هذه الكتائب، بأنها عبارة عن منسوبين للحركة الإسلامية، وغير معروفين بانتمائهم في الأوساط والمجتمعات المحلية، وتعمل بشكل سري تحت عنوان عريض هو “الأمن الشعبي”، وشاركت بمختلف صنوفها وأسمائها إبان فترة حكم البشير وخلال ثورة ديسمبر، في قمع المحتجين السلميين والتنكيل بالمعارضين طوال عمر النظام، وارتكبت الكثير من الفظائع عبر “الملثمين” والسيارات رباعية الدفع من دون لوحات.

ويذهب المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية الهادي محمد الأمين في حديثه لـ”راينو” إلى أن “الإخوان المسلمين” مثلهم مثل القوى العقائدية التي تستند في بنيتها التنظيمية علي ما يسمى بـ”الشوكة”، أو “القوة” التي تؤسس لـ”كيان النصرة”، في الداخل والخارج، مبرراً ذلك بأن طبيعة المنظومة ذات امتدادات خارجية، فهي تكوينات محلية بارتباطات إقليمية وأممية تتجاوز الحدود الجغرافية، وزاد:(حركة الإخوان المسلمين تأسست علي الكتائب في مستوياتها المختلفة، بدءا من بناء أنوية وتشكيلات طلابية عسكرية تتكون في المدارس الثانوية والجامعات، وتطورت فيما بعد تحت مسمى “الأمن الطلابي”، وتظهر في مواسم معينة مثل خلال انتخابات الاتحادات، أو بسبب حالات الصدام وحوادث المواجهة مع خصومها من القوى التي تناصبها العداء أو المنافسة لها خاصة القوى اليسارية، وتحتفظ الكتائب بـ”كوادر العنف”).

 وتابع:(هذه الكتائب لها تقاليد وإرث وإنتاج أدبي “الأدب أو الشعر الجهادي والأناشيد”، ولها معسكرات تدريب خاصة تتلقى فيها جرعات تدريبية خاصة ومتقدمة، غير التدريب العسكري في معسكرات الدفاع الشعبي والخدمة الوطنية، فقد تدربت بعض عناصرهم في إيران تحت إشراف “الحرس الثوري” ومجموعات أخرى في “سهل البقاع”، تحت رعاية “حزب الله” اللبناني، وكذلك قاتلت في أفغانستان خلال الحرب بين الاتحاد السوفيتي والأفغان وفي البلقان وغيرها من مناطق القتال في البؤر الساخنة حول العالم).

ولفت المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية النظر إلى بروز قوات أخرى و”إن كانت ذات طبيعة علنية”، هي قوات “الدفاع الشعبي”، التي أنشأها الرئيس المخلوع “البشير” في بدايات انقلاب تنظيم الإسلاميين، وترتبط بالجيش بحكم قانونها.

وطبقاً لتقارير إعلامية فإنها ميليشيات إسلامية، دمجت فيها الكثير من الميليشيات القبلية، ويتجاوز عددها (15) ألف مجند فاعل، واحتياطي بما يقارب المائة ألفاً – وهو ما لم يثبت وجوده إلى الآن- تنتشر إلى جانب وحدات الجيش.

واتخذت المليشيات والكتائب التي أنشأها الإسلاميون عددا من الأسماء في مقدمتها كتائب (“الأهوال”، “الأنفال”، “الدبابين”، “الطيارين”)، فضلا عن “كتيبة البراء” التي برزت مؤخراً، عقب اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل، ثم “المعتصم بالله” الاستراتيجية في الولاية الشمالية.

وتعمل إلى جانب تلك الكتائب مجموعات من المقاتلين السابقين المتطرفين، الذين تزايد نشاطهم بصورة مكثفة بعد الحرب، واستقطبت مقاتلين سابقين، من بينهم حسب تقارير محلية مهندسون وفنيون عملوا على تطوير الأسلحة في التصنيع الحربي، بما في ذلك “المسيرات” على نفس منوال حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، يصنعون أسلحة خاصة بهم.

لماذا الآن؟:

ويرى مراقبون إن أخطر الكتائب التي برزت في الساحة هي كتيبة “المعتصم بالله” الاستراتيجية، لكونها برزت في محيط مستقر نسبياً وهو الولاية الشمالية، فضلاً عن أن ظهورها هناك هو نقلة نوعية في ميدان المعركة، الذي ظل طوال سنوات النظام البائد في الهامش بجنوب السودان، أو غرب السودان، وجنوب كردفان والنيل الأزرق. وإنه ببروز هذه الكتيبة يمكن تلقائياً انتقال ميدان المعركة إلى الشمال، بما يخدم خطاب الاستقطاب المناطقي والجهوي والعنصري الذي افتعله الإسلاميون، وساهم في تمدده شخصيات تتحدث محسوبة على الدعم السريع، فضلاً عن تفلتات لبعض منسوبيهما في الميدان.

واعتبر الكثير من المحللين أن بروز الجماعات والمليشيات المحسوبة على تنظيم الإسلاميين، خصوصاً كتيبة “البراء بن مالك”، ومن بعدها حاليا “المعتصم بالله” الاستراتيجية، يجيء بهدف تحقيق نوع من مساندة وتثبيت أقدام الجيش في المعارك، بعدما توالت هزائمه بشكل مفاجئ وفاضح، بالإضافة إلى أن ظهور وبروز تلك الكتائب ارتبط بخطابات تعبوية واستنفارية من قبل قائد الجيش “عبد الفتاح البرهان”، المعروف بتحالفه مع الإسلاميين منذ انقلابه على الحكومة الانتقالية في الخامس والعشرين من أكتوبر، فأسهم في إعادتهم لوظائفهم، ورد ممتلكاتهم وأموالهم التي كانت “لجنة إزالة التمكين” قد احتجزتها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار