السودان

اجتماع جيبوتي .. هل تفلح الإيقاد في تحقيق ما لم يتحقق في جدة؟

تقرير: راينو

لم يجف ورق اجتماعات قمة جيبوتي التي حملت في طيات مخرجاتها اختراقاً كبيراً – حسب الكثيرين – بإمكانية الجمع بين طرفي الحرب، إلا وكانت الصدمة تأتي محمولة على نصوص بيان وزارة الخارجية في الخرطوم، التي اعتبرت أن مخرجات الاجتماع غير معترف بها قانونيا طالما لم تستصحب ما أسمته تحفظات الوفد السوداني. فهل يعد الاجتماع ناجحاً وفقاً لنتائجه المعلنة بما يسهم في سحب البساط من جدة؟ أم تنجح الخارجية السودانية في نسف المخرجات؟

بشريات كبيرة:

يرى عضو إعلام قوى الحرية والتغيير، القيادي بالتجمع الاتحادي (محمد عبد الحكم)، في حديثه لـ(راينو)، أنهم وفق تصورهم لما تم التوصل اليه في قمة جيبوتي، يعد اختراقاً إضافياً لإنهاء الأزمة السودانية بوقف الاقتتال والحرب العبثية – حسب تعبيره- وقال:(التأكيدات التي وردت من الاجتماع ومن النقاشات البناءة، تمثل بشريات كبيرة، للضغط على الطرفين للوصول إلى حل سلمي للأزمة، ومن ثم الوصول إلى استعادة مسار التحول المدني الديمقراطي.

واعتبر (حكم) إن تأكيد الأمانة العامة للإيقاد على أن الضغط على الطرفين، ساهم في إبداء التزامهما القاطع والجدي، في اللقاء والاجتماع الفوري لإنهاء الاقتتال، وأضاف:(هذا أهم متطلبات الشعب السوداني، بسبب الحرب التي تسببت في الكثير من الأزمات كالقتل والتهجير القسري، التشريد، ووصول المتعففين حد مد أياديهم، بعد أن فقد معظمهم عمالهم بما في ذلك العاملين في دولاب الدولة، الذين يدركون جيداً خطورة الأوضاع، حيث يعايشون أيضاً انقطاعاً كاملاً للمرتبات، ويعانون من ضائقة معيشية ، وتابع:(التزام الطرفين باللقاء لبحث إنهاء الحرب، يمثل مدخل إضافي للضغط على الأطراف لإيقاف الحرب، ومخرجات الاجتماع تمثل مطلباً رئيسياً لغالب الشعب السودان باستثناء فلول النظام البائد.

الخارجية ترفض تعهدات البرهان:

الاتهامات الكثيفة للخارجية السودانية بحسب الكثيرين في أنها بؤرة من بؤر فلول النظام البائد، لا يبدو انها تجانب الصواب، اذ لم تمض (24) ساعة على إعلان الإيقاد لمخرجات القمة، إلا وبرزت تكتيكات النكوص عما تم التوصل اليه، فأصدرت الخارجية السودانية بياناً قالت فيه إنها لا تعترف ببيان الإيقاد، باعتباره وثيقة غير قانونية، لأنه لم يضع في اعتباره أو يأخذ ملاحظاتها، مما يفقده التوافق.

وتلخصت ملاحظات وفد السودان بحسب بيان الخارجية – نصاً – في حذف الإشارة إلى مشاركة وزير الدولة بوزارة خارجية دولة الإمارات العربية في القمة، (إذ أن ذلك لم يحدث).  بالإضافة إلى حذف الإشارة إلى عقد رؤساء إيقاد مشاورات مع وفد مليشيا الدعم السريع المحلولة، وقالت أن هذا (يجافي الحقيقة)، بسبب عدم علم رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وهو أحد رؤساء إيقاد، بالمشاورات مع ممثلي الدعم السريع، وقالت لإطلاق النار، وخروج قوات الدعم السريع من العاصمة وتجميعها في مناطق خارجها.  بالإضافة إلى حذف الفقرة التي تشير لمكالمة هاتفية بين رؤساء إيقاد وقائد الدعم السريع.

وتضمنت ملاحظات الخارجية على تعديل الفقرة التي تدين التدخلات الخارجية بحيث لا تتضمن المساواة بين القوات المسلحة والدعم السريع، بالإضافة إلى تضمين الإشارة لتقديم جمهورية مصر العربية “مبادرة دول جوار السودان” في الفقرة التي تتحدث عن المبادرات لحل الأزمة في السودان، والنص على ضرورة التشاور مع حكومة السودان، والحصول على موافقتها في أي مسعى لحل الأزمة.

تلاعب بالألفاظ:

ويذهب مراقبون وسياسيون تحدثت إليهم (راينو)، إلى أن ما ورد في بيان الخارجية ما هو إلا تلاعب بالألفاظ إذا أن جل الوقائع التي تحدث عنها البيان حدثت بالفعل، وبالتالي فإن الهدف هو النكوص عما توصل اليه (البرهان) في ظل وجود ممثلين من خارجيته، ويدلل أنصار هذا الرأي على الخلافات التي ضربت الخارجية السودانية في أعقاب بيان الايقاد، مما يوحي بأن ثمة تيارات تتصارع فيما بينها، ليس حول ايقاف الحرب ولكن حول سيناريوهات ووسائل إخراج مقبولة لاستمرارها، عبر تقويض مجهودات المجتمع الدولي والإقليمي.

وجهة النظر هذه تجدد ما يعززها في ظل كثافة المبادرات والحلول التي تم طرحها في ثنايا الأزمة السودانية. ويستذكر مراقبون الهدن والمخرجات وإعلان المبادئ الذي صدر عن (جدة)، ولم يتم الالتزام به، فضلاً عما صدر من الاتحاد الافريقي في (25) يونيو الماضي، الذي تبنى خطة عرفت بخطة (الحل الأفريقي)، تستند على الدمج بين رؤية منبر جدة، ومقترحات (إيقاد)، التي تنص على إجراءات تؤدي لوقف الحرب، وإطلاق عملية سياسية تفضي لانتقال السلطة من العسكر للمدنيين، وتتضمن في نقاطها الفرعية وقف إطلاق النار الدائم، معالجة الأوضاع الإنسانية السيئة الناجمة عن الحرب، والبدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي.

الحركة الإسلامية مرة أخرى:

 ويرى المحلل السياسي (اسامة عبد الماجد بوب) في حديثه لـ(راينو)، أن التفاؤل إزاء مخرجات الإيقاد، لا يعبر عن الحقيقة، بل يعبر عن تمنيات الشعب السوداني لتحقيق وقف دائم لإطلاق النار، وعودة الحياة إلى طبيعتها، وإيقاف الحرب التي سماها طرفاها بـ(العبثية).

إحباط (أسامة) لا يبدو منبتاً عن الوقائع، ويرى إنه لا يمكن إطلاق العنان للتفاؤل، وقال:(أثبتت الأيام أن قائد الجيش عديم المصداقية في أي تعهد أمام الشعب، أو أي جهة دولية أو إقليمية، إذ أنه دوماً ما يتنصل عن عهوده، ويتنصل حتى عن قيم الالتزام الأخلاقي في كلامه).

واعتبر (أسامة) أن السبب الآخر الذي يجعل المخرجات الأفريقية غير باعثة على التفاؤل، هو أن القيادة الحقيقية للحرب ليست في يد (البرهان)، وإنما في يد قادة النظام الإسلاموي (علي كرتي) وزمرته الهاربين من السجون، الذين يقودون الحرب الآن، وأضاف:(من الطبيعي أن ترفض وزارة الخارجية السودانية تحت أي من المبررات. هذه النقاط التي توقف الحرب وتتيح إعادة الإنسان السوداني إلى مكانه ولحمته).

نفق مظلم:

وأشار أسامة إلى أن كل جهود الحريصين على السودان – سواء إيقاد واتحاد افريقي أو منبر جدة – بمختلف درجات حرصهم على إيقاف الحرب، تصطدم بتنازعات قيادة الحرب، سواءً من يدعون إلى استمرارها، أو من يحاولون خداع الراي العام بالموافقة على الشروط والتنصل بعد ذلك، وهو ما تم اليوم. وتابع:(لا أحسب أن المخرجات يمكن أن تشكل نافذة للخروج من النفق المظلم، لأن قادة الحرب لا يسعون إلى إيقافها، ولا يمثل الإنسان السوداني أي قيمة في نظرهم، حتى يكونوا حريصين عليه، ولا يشكل لهم الوطن قيمة، ففرطوا في السيادة في عدة محطات، وفي القرار الوطني والبنية التحتية للوطن، هم فقط يسعون للوصول الى سدة الحكم والسيطرة، وسرقة امكانيات الشعب السوداني، لذا تجدهم حريصين على استمرار القتال التشرد، وعلى تدمير البنية التحتية للبلاد، وكل المناطق الاستراتيجية.وأكد عبد الماجد ان ما صدر من الخارجية بعد بيان (إيقاد)، شيء طبيعي ومتوقع.

منابر التفاوض وجدل التفويض:

من جانبه يتوقع نائب رئيس حركة العدل والمساواة السودانية د. (جبريل ادم بلال) في حديثه لـ(راينو)، أن تدخل الإيقاد وبقوة في هذا الملف، لأن هناك بعض العثرات التي واجهت جدة، وأضاف:(صحيح أن أمريكا والسعودية حريصتان على وقف إطلاق النار والمضي قدماً، إلا أن منبر جدة – مقارنة بالمنابر الاخرى وبناء على تجربتنا – غير مفوض، أي أنه لا توجد جهة دولية معنية محددة فوضته أو تفوضه وتسنده، سواءً بقرار من مجلس الأمن أو الإتحاد الأفريقي، أو الإيقاد، أو الجامعة العربية، بحيث تتاح له إمكانية فرض ضغوط على الأطراف، للقبول بشروط الوسيط، بدليل أن الحرب حالياً في شهرها الثامن، وما تزال تراوح مكانها.

واعتبر (جبريل) أن ذلك كان مبرراً كافياً لإعادة النظر في الأماكن والأطراف والوسائل الأخرى، للضغط على طرفي الصراع لمعالجة اوضاع السودانيين. مشيراً إلى أن هناك أكثر من (40) مليون نسمة حالياً، معرضون لخطر المجاعة وفقدان الحياة، فكان لابد من أطراف أخرى تنفيذية للتدخل، وأضاف:(الإيقاد منظمة تنفيذية مفوضة من الاتحاد الافريقي، ومدعومة من الأطراف الدولية والإقليمية)، مؤكداً أن تدخل الإيقاد سيغير هيكلة الوساطة في حد ذاتها، بدلاً من أن يكونوا مسهلين، وتابع:(سيكون هناك أطراف مفوضة، وغالباً الاتحاد الأفريقي سيصدر قراراً بالتفويض، وربما يعاد تعريف الأطراف، لأنه في جدة كانت الاطراف مقصورة على الجيش والدعم السريع، بينما في الإيقاد – وبعد دخولها بقوة – ستكون الأطراف هي الجيش، والدعم السريع، والأطراف المدنية).

وقف العدائيات:

ونوه نائب رئيس حركة العدل والمساواة الى أنه بعد توقيع وقف العدائيات ووقف إطلاق النار في إعلان المبادئ الذي سيحدد الأطراف ويوقع عليها الطرفين، بالتالي بعد التوقيع سيظهر ثلاثة أطراف للدخول إلى عملية سياسية ستوكل للمدنيين بكلياتها. وتوقع (جبريل) أن يكون الحراك في الفترة المقبلة أكبر وأكثر تنظيماً من حيث الأطراف، ومن حيث مخاطبة القضايا. فضلاً عن تجديد آليات الضغط على الأطراف، وتوسيع نطاق التفويض ونطاق الأطراف، بدخول المدنيين في العملية السياسية والتفاوضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار