السودان

إنهاء تفويض اليونيتامس .. هل يصب في مصلحة دعاة استمرار الحرب في السودان؟

تقرير: راينو

في توقيت وصف بالأخطر على السودانيين جراء الحرب الدائرة حالياً بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أنهى مجلس الأمن الدولي في جلسته يوم الجمعة، تفويض البعثة السياسية لدعم الانتقال في السودان بتصويت 14 دولة، وامتناع روسيا، مثيراً بالخطوة ردود أفعال واسعة، بين مرحب بها، وبين ساخط عليها، باعتبارها تراجعاً دولياً، عن الاهتمام بالشأن السوداني، في ظل الحرب المشتعلة.

نقاط ونصوص:

ونص قرار مجلس الأمن في إنهاء تفويض بعثة (اليونيتامس)، بإيقاف كل مهامها ابتداء من الرابع من ديسمبر، ونقل هذه المهام إلى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، على أن تستكمل هذه المهمة في التاسع والعشرين من فبراير (2024)، وحدد مشروع القرار الأول من مارس من العام القادم، كتاريخ للبدء في تصفية بعثة (اليونيتامس) بشكل كامل. كما رحب القرار بتعيين الأمين العام للأمم المتحدة لـ(رمضان العمامرة)، كمبعوث شخصي له في السودان، ودعاه لبذل مساعيه الحميدة مع الأطراف والدول المجاورة، بما يكمل جهود السلام الإقليمية. كما أكد القرار التزام المجلس بسيادة ووحدة واستقلال وسلامة أراضي السودان. وأعرب القرار عن قلقه من استمرار العنف وتدهور الأوضاع الإنسانية، وخصوصاً القانون الإنساني الدولي، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتأثيراتها العميقة على المدنيين. ودعا القرار كل أطراف النزاع لوقف فوري للعدائيات، وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية عبر الالتزام باتفاق جدة، وحل النزاع عن طريق التفاوض.

ورحب القرار بالجهود الدبلوماسية للهيئة الحكومية للتنمية ( إيقاد )، وقيادة الاتحاد الأفريقي، داعياً الأطراف المختلفة للاستمرار في العمل، لإنجاز حل سياسي دائم وشامل، يحقق آمال السودانيين في مستقبل سلمي، مستقر، وديمقراطي، وبالتزام كامل بمبدأ وطنية الحل، مع تأكيد إلزامية اتفاقية جوبا للسلام الموقعة في الثالث من أكتوبر للعام (2020)، لكل الأطراف الموقعة، وبشكل خاص الالتزامات المتعلقة بديمومة وقف إطلاق النار في دارفور.

لماذا صدر القرار؟

خطوة إنهاء التفويض اعتبرها كثيرون استجابة لمطالبة (الخرطوم) التي جاءت على لسان قائد جيشها الجنرال (عبد الفتاح البرهان) في إنهاء تفويض البعثة، التي اتسمت علاقته مع قيادتها السابقة بالفتور والتوتر. ثم التصعيد حد إعلان رئيس البعثة السابق (فولكر بيرتس) (غير مرغوب فيه)، عبر رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، قبل أن تردف الخرطوم موقفها تجاه البعثة برسالة أخرى، طالبت فيها بالإنهاء “الفوري” لبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال (يونيتامس)، مما دفع مجلس الأمن لاعتماد قرار إنهاء تفويضها اعتباراً من الأحد، على أن تتاح فترة ثلاثة أشهر لمغادرة أفرادها، ونقل مهامها إلى وكالات الأمم المتحدة الأخرى (حيثما كان ذلك مناسبا وإلى الحد الممكن) – وفق نص القرار.

أما المحلل السياسي (ماهر أبو الجوخ) فذهب في حديثه لـ(راينو) الى أن قرار مجلس الأمن يجيء استجابة للأمر الواقع، موضحا أن قرار إنهاء بعثة (يونيتامس) في السودان يحمل أوجهاً عديدة، فهي على مستوى التفويض مناط بها دعم الانتقال المدني الديمقراطي وفق أحكام الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، واستدرك:(لكن منذ منتصف أبريل الماضي، فإن الأوضاع في السودان انتقلت لواقع مُعقد، بعد اندلاع الحرب. وبالتالي فإن الوضع ما عاد مرتبطاً بدعم الانتقال وأحكام الفصل السادس، ولكن بإيقاف الحرب، واعتبار أن الوضع في السودان بات مهدداً للسلم والأمن الإقليمي بسبب الحرب، الأمر الذي يتطلب التعامل معه بموجب أحكام الفصل السابع. خاصة مع النتائج المرتبطة بالحرب والتجاوزات الخاصة بالقانون الدولي الإنساني وارتكاب جرائم حرب، وبالتالي فإن الواقع بات فعلياً متجاوزاً لتفويض البعثة، وهو ما سيجعلها بموجب تلك التطورات، غير قادرة على استيعاب هذه المتغيرات).

واعتبر (أبو الجوخ) أنه كان يمكن تغيير التفويض في حال إبداء حكومة الأمر الواقع (مرونة) حيال الأمر، لكن الوقائع تظهر عدم ترحيب بعمل البعثة، والشروع في إجراءات لتحجيمها، بمنع (فولكر بيرتس) من العودة السودان، ثم المطالبة بإنهاء عمل بعثة (يونيتامس)، وبالتالي فإن هذا الرفض يظهر ممانعة ورفضاً من حكومة الأمر الواقع لأي تعاون مع البعثة، وهو ما يترتب عليه خلق تعقيدات إضافية، تقود للإبقاء على بعثة غير قادرة على القيام بأي نشاط أو عمل، ولذلك فإن قرار إنهاء مهامها يبدو الخيار الأفضل.

صدمة القوى المدنية:

الخطوة بحسب البعض أصابت التيار الساعي لإيقاف الحرب بالصدمة، لجهة تعويلهم عليها في متابعة المساعي الدولية والمجهودات في وضع حد للحرب، ومن ثم المشاركة في تحديد مسؤولية معرقلي الانتقال. ولعل من أبرز ممثلي هذا التيار رئيس الوزراء المستقيل د. (عبد الله حمدوك)، الذي يتزعم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم).

هذا الموقف يؤكده عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير القيادي بالمؤتمر السوداني شريف محمد عثمان في حديثه لـ(راينو) إذ يذهب إلى أن قرار مجلس الأمن الدولي بإنهاء تكليف البعثة السياسية المتكاملة لدعم التحول الديمقراطي في السودان (يونيتامس)، لم يلب تطلعات القوى المدنية والديمقراطية في السودان. منوهاً إلى أن حكومة الفترة الانتقالية التي جاءت بها ثورة ديسمبر المجيدة، هي التي طلبت إنهاء تكليف (اليوناميد)، ذات التفويض تحت الفصل السابع، والاستعاضة عنها ببعثة سياسية لدعم الانتقال المدني الديمقراطي في السودان.

وبرر شريف المطالبة بوجود البعثة، بإدراكهم كقوى سياسية مدنية ديمقراطية – وكذلك حكومة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك – لطبيعة التحديات التي تواجه السودانيين أثناء عملية الانتقال، للوصول إلى انتخابات، وأضاف:(كنا مدركين لكل ذلك بحكم الدمار الطويل للسودان بفعل نظام الإخوان المسلمين والمؤتمر الوطني، أي أن المطالبة بوجود البعثة كانت استجابة لظروف المرحلة. وأعتبر شريف أن انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر زاد الأوضاع تعقيداً، مشيراً للجهود التي بذلتها البعثة برئاسة (فولكر بيرتس)، من أجل استعادة المسار المدني الديمقراطي، وإنهاء الانقلاب وفق عملية سياسية، وتابع:(إلا أن حرب الخامس عشر من أبريل، نشبت حيث بذل عناصر النظام البائد وتنظيم الإخوان المسلمين جهوداً حثيثة، لقطع الطريق أمام إكمال العملية السياسية، بإشعال الحرب).

وكشف عضو المكتب التنفيذي للحرية والتغيير عن تطلع القوى السياسية والمدنية لتوسيع مهام البعثة لمساعدة السودانيين في ملفات عديدة، من ضمنها مساعدة السودانيين في العمليات الفنية لإيقاف الحرب، ورصد الانتهاكات، وممارسة الضغوط الكافية. وان تكون الأمم المتحدة قريبة ولصيقة بقضايا السودان والسودانيين، منوهاً إلى أنهم سيبذلون جهداً مع المجتمعين الدولي والاقليمي لإيجاد صيغة مناسبة لمساعدة السودانيين لتجاوز هذه الازمة، وأضاف:(رحبنا في وقت سابق بالمبعوث الخاص للأمين العام “رمضان العمامرة”، ونتمنى أن يحقق الأهداف التي تمت تسميته لها).

زهد المجتمع الدولي

من جهته يذهب الخبير العسكري عمر ارباب في حديثه لـ(راينو)، إلى أن قرار انهاء تفويض بعثة اليونيتامس في مثل هذه الظروف التي يعيشها السودان، يعكس حالة زهد المجتمع الدولي في الوصول لحل، مشيراً إلى أن البعثة ليس في مقدورها فعل شيء، لأنها بحكم تكوينها بعثة سياسية، بينما يعيش السودان حالة حرب، وبالتالي انتفى الدور السياسي، وإمكانية المساهمة في عملية الانتقال التي كان يمكن أن تقوم بها البعثة، منوها الى أن مجلس الأمن والأمم المتحدة، يمكنهما ترك الأوضاع في السودان، حتى يتوصل الأطراف إلى رغبة حقيقية في حل سياسي، وبالتالي يساهمان في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء. وأضاف:(أما في ظل التعنت الحالي واستمرار المعارك، فلا دور للبعثة، إلا إذا وصلت الأوضاع إلى درجة تستوجب التدخل العسكري وفق البند السابع، وهو قرار صعب، لأن فاتورته عالية، ولا توجد دولة تريد الدخول لهذه المحرقة، وتابع:(لذا الأمر طبيعي، لأنها كبعثة سياسية، لا يمكن أن تقوم بأي أدوار، في فترة الحرب).

فرضية تراجع اهتمام المجتمع الدولي بالملف السوداني وتداعياته التي اتفق فيها القيادي بالحرية والتغيير والخبير العسكري، يقف في الجانب الآخر منها (أبو الجوخ)، ويرى إن قرار إنهاء (يونيتامس)، لا يمكن قراءته من زاوية وصول المجتمع الدولي لمرحلة التخلي عن السودان وشعبه والسماح باستمرار الحرب، وأضاف:(يمكن القول أن المؤشرات العامة تظهر سيناريوهات قادمة في مقبل الأيام في شكل إجراءات أو قرارات من مجلس الأمن، تجعل الأمم المتحدة تقوم بأدوار أكثر فعالية في إنهاء الحرب وتحقيق السلام وتأسيس انتقال مدني ديمقراطي مستدام، و(حينها سيكتشف فلول النظام المباد ومناصريه من دعاة الحرب، أن خطوة إبعاد “يونيتامس”، أنتجت بديل أكثر قسوة عليهم في ما يتصل بموقف المجتمع الدولي لإيقاف الحرب وتحقيق السلام، ومعاقبة ومحاسبة المتسببين والمتورطين في إشعالها).

نقل أم إلغاء؟

بعيدا عن الرؤية السلبية للقرار الأممي، ثمة تحليلات تذهب إلى أن هناك جوانب إيجابية في القرار، بما يخدم الثورة السودانية، ويرى البعض أن الدبلوماسية السودانية الحالية تعد دبلوماسية داعمة لتوجهات الحرب، وإن سيطرة عناصر النظام المُباد وبصمتهم، واضحة في تحركاتها.

 ويذهب أنصار هذه الرؤية الى أن الدبلوماسية السودانية وقعت في فخ، لم ينتبه له القائمون على أمرها، اذ استبدلت الأدنى سوءً في نظرها، بالأشد سوءً، حيث أن نقل مهام (يونيتامس) إلى وكالات الأمم المتحدة المتخصصة، هو فرض وصاية أشد من (الفصل السابع)، ويصر أنصار هذه الرؤية على أن الدبلوماسية السودانية إن كانت تتمتع بالحصافة، لطلبت الغاء مهام (يونيتامس)، وليس نقل مهامها. ويضيفون بأن الدبلوماسية السودانية بهذا القرار الأممي ألزمت نفسها بإنهاء الحرب بالتفاوض، وإيقاف العدائيات، وكذلك ألزمت نفسها بعملية سياسية، ستكون مراقبة من الوكالات المتخصصة. ويستندون في ذلك على ان قرارات مجلس الأمن مُلزمة، وإن أي إخلال بأي بند فيها، يترتب عليه عقوبات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار