السودان

النور حمد: قادة المؤتمر الوطني سيحاكمون، وسينطبق عليهم ما انطبق على الحزب النازي بألمانيا

قال المفكر والباحث السياسي والكاتب السوداني الدكتور (النور حمد)، أن هناك بارقة أمل في التوصل لاتفاق سلام بجدة بين طرفي القتال، الجيش والدعم السريع. لكنه أبدى خشيته من تأثير المتطرفين الإسلاميين الذين أشعلوا هذه الحرب، وورطوا فيها القوات المسلحة التي (يبدو) أن قرارها قد ظل مرهوناً لدى المدنيين من المتطرفين الإسلاميين. وتابع:(إن لم يتوقف الاقتتال ويعود الناس إلى رشدهم، فإن القادم أفظع مما يتصور بكثير).

وفي حوار خاص مع راينو قال (النور حمد)، إن الاسلاميين (بدون فرز)، يتحملون أوزار وكوارث الحرب الدائرة بالسودان.

حوار: وكالة راينو

 (*) بدات المفاوضات بين الجيش والدعم السريع بجدة، فهل هناك بارقة امل بالتوصل إلى اتفاق سلام ينقذ ما يمكن انقاذه؟

نعم هناك بارقة أمل، بل ينبغي أن يتوصل الطرفان إلى وقف لإطلاق النار، فأحوال الناس لم تعد تحتمل، والبلد نفسها لم تعد تحتمل. كما إن تجربة الحرب أثبتت صعوبة حسمها عسكرياً لصالح أي من الطرفين، بل إن حسمها لصالح اي من الطرفين، إنما يعني نشوء نظام عسكري جديد، وديكتاتورية جديدة، ووأد كامل للثورة وأهدافها.

 (*) في تقديرك ما هي أهم الصعوبات التي تواجه جولة التفاوض؟ وكيف يتم تجاوزها؟

أثبتت التجربة منذ بداية المفاوضات عقب اندلاع الحرب، أن الصعوبة والتعنت تأتيان من جانب القوات المسلحة، التي ظل قرارها مرهوناً لدى المدنيين من المتطرفين الإسلاميين الذين أشعلوا هذه الحرب، وورطوا فيها القوات المسلحة بغرض نقل الصراع إلى مربع جديد، يفقد فيه السودانيون أمنهم تماماً، ويجعل عودة الإسلامين إلى السلطة بمفردهم أمراً واقعاً. فالدعم السريع قبل باستمرار التفاوض دون قيد أو شرط، في حين ظل وفد القوات المسلحة المسيطر عليه من قبل المدنيين الإسلاميين ينسحب من المفاوضات، مصراً على إملاء شروطه على الطرف الآخر، رغم إنه لا يملك في أرض المعركة ما يجعله مؤهلاً لإملاء الشروط. الوضع الميداني المتسم بالخسائر المتتالية للجيش الإخواني، وتشقق حلف الإسلاميين المدنيين مع إسلاميي الجيش، يجعل التوصل إلى وقف لإطلاق النار أكثر إمكانا من ذي قبل.

 (*) مفاوضات جدة ستكون علي ثلاث مستويات الملف الانساني وفصل السياسي عن الملف العسكري الأمني وفقاً لخطاب الدعوة، فإلي أي مدى تمثل جدية الطرفين في حسم الثلاث مستويات؟

أعتقد أن الوضع الميداني للمتقاتلين، والشروخ الداخلية داخل بنية كل طرف، وحالة الانهاك العام وانسداد افق النصر الحاسم، ستجعل الطرفين أقرب لقبول خارطة الطريق التي وضعها الميسرون.

 (*) هل تتوقع أن يكون للجبهة المدنية دور في مرحلة ما في التفاوض؟

لابد بطبيعة الحال من أن يكون للجبهة المدنية دور، لكن بعد أن يجري تثبيت وقف مستدام لإطلاق النار، وبعد ان تصل الإغاثات والعون الإنساني إلى المنكوبين. ولابد لمفاوضات جدة أن تأتي بالمدنيين في مرحلة ما. فالإشراف على توزيع الإغاثات ومراقبتها تقتضي حضورا مدنياً، وكذلك رصد الانتهاكات المحتملة يقتضي أيضاً حضوراً مدنياً. يضاف إلى ذلك أن الثورة إنما كانت من أجل التحول الديموقراطي وعودة العسكر للثكنات وإبعادهم تماما عن ممارسة السياسة، ثم العمل على تكوين جيش قومي مهني واحد. وتجر كل هذا الإمور – وبالضرورة – الجبهة المدنية إلى الواجهة لاستعادة العملية السياسية التي جرى اعتراضها بانقلاب 25 اكتوبر وحرب 15 ابريل.

 (*) ما هو تصورك للحل السياسي؟ هل يمكن العودة للاتفاق الإطاري؟

لا مناص من العودة إلى الاتفاق الإطاري، فهو خارطة الطريق التي ارتضتها قوى الثورة من أجل الوصول إلى تحول ديمقراطي، وإلى تداول سلمي مستدام للسلطة. وقوى الثورة هي القوى الغالبة في المجتمع السوداني، وهذه هي إرادتها التي حاول فلول النظام المباد في الجيش المؤدلج وفي الحركة الإسلامية اعتراضها بالانقلابات، وبقمع المدنيين، وأخيراً بالحرب.

 (*) على ذكر الجبهة المدنية واجتماعاتها التحضيرية من واقع مشاركتك فيها، هل سينجح الجهد في قيام تحالف قوى وله تأثير على المشهد؟

الاجتماع التحضيري الذي جرى في أديس أبابا هو ضربة البداية فقط، وسيعقبه لقاء موسع بعد أقل من شهرين، يتوقع أن يضم قرابة الألف شخص من قوى الثورة الحية، وأرجو أن يجمد الفاعلون السياسيون، وخاصة من أسموا أنفسهم بالجذريين، الخلافات السياسية، وينضموا لهذا الاجتماع الموسع، فالمعركة الآن بين أن تستمر الثورة، وأن تموت، وأن يبقى البلد موحداً، أو يتفكك. هزيمة نظام الاسلاميين تعني وحدة الصف في هذه المرحلة، ومن يقسم الصف الآن فأنه يخدم – قصد أو لم يقصد – أجندة الإسلاميين وحلفائهم في هزيمة الثورة.

 (*) من المعلوم من تجربة التحالفات السياسية أن أمدها قصير، وسرعان ما تحدث خلافات وانقسامات، ماذا فعلت القوى المجتمعة لتلافي ذلك؟

اختلاف الرؤى لازمة من لوازم الديمقراطية، فالتحالف المطلوب الآن ليس تحالفاً في الحكم، وإنما للمناداة بوقف الحرب، ومواجهة الكارثة الإنسانية، ثم استعادة العملية السياسية المفضية إلى التحول الديمقراطي. المطلوب أن يعي السياسيون والقوى المدنية خارج الأحزاب السياسية من لجان مقاومة ومن نقابات مهنية ومن حركات مسلحة ومنظمات مجتمع مدني، طبيعة هذا الوضع الراهن وتحدياته. فالثورة أصلاً لا تقوم إلا بتحالف عريض من قوى مختلفة، تتوافق على أهداف إصلاحية عريضة تجري عبر فترة انتقالية، تمهد الارض للعراك السياسي السلمي.

(*) دعوات مستمرة من جانبكم لإنهاء الحرب دون فعل على أرض الواقع، على الأقل استخدام أدوات ضغط على طرفي النزاع؟

ما قصده الإسلاميون من إشعال الحرب، هو إبطال الفعل المقاوم في الشارع، وإنهاء الثورة. وبالفعل فإنهم قد أبطلوا الحراك المقاوم في الشارع عبر جعلهم المدن ساحات للحرب، وعبر تشريدهم للناس في كل مكان، لكنهم لم يبطلوا الثورة. فهي قائمة، وها هي الآن تستعيد زمان المبادرة.  ليس للقوى المدنية وسائل ضغط على من يحملون السلاح سوى صوتهم، وهو الآن صوت مسموع، تتضامن معه القوى المجتمعية في السودان والقوى الإقليمية والدولية. ومحادثات جدة وغيرها من المبادرات الإقليمية خير دليل على ذلك.

 (*) هناك همس يدور عن أنه يجب أن يكون لحزب المؤتمر الوطني أو أي من واجهاته مشاركة في تحديد مستقبل البلاد، هل انتم موافقون على مثل هذا الطرح؟

حزب المؤتمر الوطني حظرته الوثيقة الدستورية، وأعاده الفريق عبد الفتاح البرهان وقادة الجيش الإسلاميين إلى السلطة بانقلاب 25 أكتوبر، لكن فشل الانقلاب فشلاً ذريعاً، وجاءت جهود الاتفاق الإطاري، وحوصر قادة الجيش من الكيزان بذلك الاتفاق حتى وافقوا عليه تحت الضغوط المحلية والدولية، كما وافق الدعم السريع وحذر من النكوص منه. هنا لم يجد المؤتمر الوطني سبيلاً غير إشعال الحرب لقبر الاتفاق الإطاري، ومنع قادة الجيش من الذهاب في وجهته، وكذلك سحق قوات الدعم السريع الواقفة معه، وتسديد الضربة القاضية للثورة وأهدافها. فإذا نجحنا في إعادة العملية السياسية إلى مجراها، وجرى تحقيق حول من تسببوا في الحرب، فإن قادة حزب المؤتمر الوطني سوف يحاكمون، ويقيني أنهم سيدانون. لقد قفلوا بإشعالهم هذه الحرب – التي ظلوا يهددوننا بها طيلة شهر رمضان الفائت – على أنفسهم الطريق تماما للممارسة السياسية في المستقبل، وسينطبق عليهم ما انطبق على الحزب النازي في ألمانيا.

 (*) نريد تقييم لدور المجتمع الدولي والإقليمي وتفاعلاته مع الحرب في السودان؟

لا يزال دور المجتمعين الدولي والإقليمي ضعيف للغاية، لكن هناك بوادر تحسن خاصة وسط الإدارة الأمريكية. وأتوقع أن تزداد الضغوط الدولية، خاصة من جانب الأمريكيين والأوربيين على الطرفين المسلحين المتقاتلين في الأيام القادمة.

 (*) السفير الامريكي دانيال روبنستين بديل للسفير جون جودفري لقيادة الوفد الأمريكي لمفاوضات جدة، ماهو مدلول التغيير؟

لا أستطيع ان أقدم تفسيراً لذلك، فالخارجية الأمريكية تستبدل السفراء وفقا لقدراتهم على أداء الدور الذي ينبغي أن يقوموا به في الحالة المعينة، وتبقى هذه هي تقديرات الخارجية الأمريكية، والإدارة الأمريكية.

 (*) الحرب لها إفرازات كبيرة على المجتمع، ماهي أقبح صورها؟

أقبح صورها هو موت الناس بأعداد مستفيضة من مدنيين وعسكريين، ثم هذا النزوح الملحمي الذي قذف بالملايين إلى المجهول داخل البلاد وخارجها بلا مأوى أو بلا مصدر للرزق. ثم هذا الدمار الهائل والتخريب الواسع الذي طال البنيات التحتية. وإذا لم يقف الاقتتال ويعود الناس إلى رشدهم، فإن القادم أفظع مما يتصور بكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار