السودان

في جولة راينو وسط النازحين السودانيين .. أسر تتسول الطعام ووفيات لانعدام الغذاء والدواء

تقرير: راينو

أوضاع مزرية، و انعدام شبه كلي لسُبل الحياة الكريمة، قاد كثير من الأسر “مستورة الحال” إلى التسول لسد الرمق، في مشهد مأساوي خلفته حرب الخامس عشر من أبريل، و إصرار النظام البائد على مواصلة الحرب حتى مقتل آخر سوداني، أو عودة عهد الظلام إلى الحكم من جديد، بعد أن لفظته الثورة المجيدة، فقد أصبح السودانيون لاسيما ملايين النازحين منهم، يعيشون أوضاعاً قاسية للغاية، و لجأ بعضهم للتسول لسد رمقه من شده الفقر، بينما شهدت أسواق السلع الاستهلاكية ركوداً كبيراً لقلة الإقبال على الشراء عدا بعض الحاجات الأساسية، بسبب تداعيات الحرب التي أثرت بدورها لتنتج شحاً في السيولة وانهيار شبه كامل للاقتصاد، كما وضح بصورة جلية ضعف دور الجهاز التنفيذي في معالجة تداعيات الحرب وحماية المواطن والاقتصاد.

و بحسب منظمة (أكليد) غير الحكومية و تقارير الأمم المتحدة، فقد أودت الحرب بحياة نحو (7500) شخص، بينهم (435) طفلاً على الأقل، في حصيلة يرجّح أن تكون أقلّ بكثير من عدد الضحايا الفعلي منذ اندلاع المعارك التي تركّزت في الخرطوم وإقليم دارفور غرب البلاد.

تسول وغياب تام للمساعدات:

وصفت النازحة بريفي شمال الخرطوم (آمنة) سعيد أوضاعهم المعيشية بالقاسية، في ظل مكابدة النازحين القادمين من داخل مناطق وأحياء وسط الخرطوم ومدينة بحري لعديد المصاعب في توفير ضروريات الحياة الكريمة، و أشارت الى أن بعض الأسر لجأ للتسول من أجل مده بمعينات غذائية تقيهم شر الجوع ، وعدت العدس والدقيق ضمن الوجبات الغذائية الأساسية اليومية الثابتة لغالبية النازحين، وتقوم بعض النساء بالطهي عبر وقود الحطب – حسب الطريقة التقليدية القديمة – مؤكدة في حديثها لـ(راينو) عدم تقديم أي إغاثة لهم في الريف الشمالي لمحلية بحري.

فقدان مصادر الدخل ونزوح جديد:

أكدت (آمنة) التي غادرت مقر إقامتها، لتنزح شمالاً، فقدان النازحين لمصادر دخلهم اليومي في ولاية الخرطوم وتابعت:(البعض يعتمد على مايرسله المغتربين من أموال من الخارج ومن يأويهم من اقربائهم بداخل المدن في شندي وعطبرة)، وزادت:(أوضاع النازحين في مختلف المدن السودانية أصبحت متشابهة مع غياب أي إغاثة أو مساعدات إنسانية كافية تقيهم شر العوز)، وقالت إن الأوضاع القاسية للمواطنين بشمال الخرطوم، وعدم تقديم مساعدات إغاثية لهم، دفع البعض إلى النزوح مرة ثانية صوب مدينة (شندي) بولاية نهر النيل، التي تعد أفضل حالا من مناطق الايواء بشمال الخرطوم من حيث توفر المواد الغذائية، مشيرة إلى اعتمادهم على شراء الأساسيات الغذائية فقط، بسبب شح السيولة وقلة المدخرات، و أضافت:(خلال الفترة الماضية لم نشتر أي فواكه، لأننا نعتبرها من الكماليات غير الضرورية، لم نشتري إلا دقيق وسكر و عدس، وما ينفع في طبخ الغذاء فقط).

ديون متزايدة وقلق مستمر:

شرف الدين عبد الله أحد النازحين شمالاً، كان عامل يومية، يقول أنه وبعد حرب 15 أبريل، تردت الأوضاع المعيشية لديهم بصورة مرعبة، وأصبح المصروف أعلى كثيراً من الدخل، و قال في حديثه لراينو الاخبارية:(لاتوجد راحة بال نتيجة، دائما في حالة قلق مستمر، لعدم وجود مايكفي من مبالغ مالية وتزايد الديون من تجار السلع الغذائية وبقية فئات المجتمع، وذلك لقلة العمل اليومي). وبرر عبد الله شح العمل بارتفاع تكلفة مواد البناء من أسمنت وسيخ وطوب وغيرها، خصوصاً و أن من يملك مالاً لن يغامر ببناء في وقت الحرب، إذ ربما تسقط عليه (دانة) تنهي كل ما بناه.

حالات طلاق متصاعدة:

وذكر عبد الله إن أغلب المواطنين أصبحوا يعانون من قلة تنوع الماكولات الغذائية، و من سوء الاوضاع المعيشية، و تردي الوضع النفسي بشكل كبير، مما انعكس سلباً على حياة الأزواج، وأدى لتزايد حالات الانفصال بين الأزواج، مضيفا أن الحرب أسهمت في إفقار الشباب، كما أثرت على توفير الغذاء الكامل للأطفال وعلى توفر العلاج لهم، ما تسبب بوفيات عديدة وسط الأطفال.

ستة أشهر بلا راتب:

بدورها أكدت الموظفة (اشتياق حسين) بمدينة (الدامر) بولاية نهر النيل تدني الأوضاع المعيشية اليومية للأسر نتيجة لتداعيات الحرب وعدم صرف الموظفين لمرتباتهم لستة أشهر، مشيرة لإصابة بعض الأطفال – خاصة النازحين – بأمراض سوء التغذية، وذكرت أن الوجبة الغذائية التي تصنعها ربات البيوت في المنازل يومياً قلت عما كانت قبل الحرب.

وفي ولاية الجزيرة، قال التاجر (محمد التوم موسي)، أنه رغم توفر السلع الغذائية في الأسواق بالولاية بعد الحرب، إلا أنها شهدت ارتفاعاً رهيباً في الأسعار، حيث أصبح سعر جوال الفول المصري (90) الف جنيه عوضاً عن (80) الفاً، ووصل جوال السكر إلى (50) ألف جنيه بدلاً عن (40) ألفاً، وبلغ جوال الفاصوليا (90) ألف عوضاً عن (30) ألفاً، فيما وصل سعر جوال الدقيق إلى (17) ألف جنيه بدلاً عن (12) الفاً، وزاد سعر الزيت عبوة (36) رطلاً من (20) ألفاً ليبلغ (38) الفاً، مضيفاً أن ارتفاع الأسعار بسبب الحرب بين الجيش والدعم السريع، أسهم في تدني القوة الشرائية للمواطنين بصورة كبيرة.

بالمقابل ذكر الخبير الاقتصادي (محمد الناير)، أن الحرب من أبرز أسباب تردي الأوضاع المعيشية، بعد أن أدت لخروج سكان الخرطوم وبقية مناطق الاشتباكات العسكرية بالبلاد لخارج منازلهم، واستئجار منازل بمبالغ خرافية تفوق المليون جنيه سوداني، فضلاً عن توقف أعداد كبيرة من العاملين في القطاعين العام والخاص وفئات الأعمال الحرة عن العمل، وعدم سداد الدولة للمرتبات وتراجع العملة الوطنية أمام الأجنبية. و أكد (الناير) في حديث لـ(راينو) ضعف دور الجهاز التنفيذي للدولة في حماية المواطن والاقتصاد الوطني بعد الحرب، وعدها ضمن العوامل التي أسهمت في تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار