السودان

السودان: مخاوف من إعادة إنتاج النموذج الليبي بتكوين حكومتين في الشرق والغرب

تقرير: راينو

الحرب التي تدور الآن بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تنذر بالقلق البالغ بعد المؤشرات التي تتصاعد بتلويح طرفي الحرب بتكوين حكومة في مواقع سيطرتهما، وهو أمر عده الكثيرون خطير للغاية يترتب عليه تفتيت البلاد وتقسيمها ويهدد بقاءها.

 لكن وبعد عام ونصف من الحرب لم يستطع أي من الطرفين تشكيل حكومته التي يلوح بها كل مرة، ففي عام الحرب الأول كان قائد الجيش “عبد الفتاح البرهان”، أعلن عن تشكيل حكومة في “بورتسودان”، التي نقل إليها مراكز سلطته بعد سقوط العاصمة “الخرطوم”، وتبع ذلك تهديد من قائد قوات الدعم السريع “محمد حمدان دقلو”، بتشكيل حكومة في مناطق نفوذه. وكأن السيناريو الليبي يلوح في الأفق، فهل يمكن أن يشهد السودان ولادة حكومتين؟ وما خطورة ذلك؟

تعميق الصراع:

ويحذر المراقبون من خطر إقدام طرفي الحرب على تشكيل حكوماتهم ما يعني تعميق الصراع وتوسيع دائرة الحرب الأهلية، ويقول المحلل السياسي والقيادي البعثي “محمد ضياء الدين” إن الحديث الجاري عن إعلان حكومة في ظل الحرب يعد خطوة خطيرة تؤدى إلى تفاقم الأوضاع المتأزمة في البلاد. وأضاف “ضياء الدين”، إن الإعلان المتوقع رغم تعثره، ينظر إليه كمحاولة لفرض واقع سياسي جديد في خضم النزاع، يهدد بتعميق الانقسامات بين القُوَى المتنازعة، ويزيد من حدة الاستقطاب الداخلي.

وتابع: “من المرجح أن تجد هذه الحكومة – حال تشكيلها – صعوبة في الحصول على الاعتراف المحلي والدولي، إذ تعد الخطوة تجاهلاً للجهود الدبلوماسية الرامية إلى تحقيق تسوية سياسية شاملة مما يؤدي إلى فرض مزيد من العقوبات والعزلة الدولية على السودان، كما أن الحكومة التي ستعلن في ظل الحرب، ستكون مشغولة أكثر بمواجهة التحديات الأمنية وتثبيت سلطتها، بدلاً من التركيز على قضايا معاش الناس.

تحذيرات الحرية والتغيير:

وكانت قوى الحرية والتغيير وفي بداية الحرب قد حذرت طرفي الصراع في السودان من مغبة تشكيل حكومتين في المناطق التي يسيطرون عليها، قائلة إن ذلك قد يؤدي إلى تفتيت البلاد وقالت إنها ستتخذ عدداً من الخطوات للتصدي لمخططات تقسيم البلاد والعمل من أجل إيقافها، وعلى رأسها التواصل المباشر والفوري مع القوات المسلحة والدعم السريع بغرض حثهم على تجنب أي خطوات حالية أو مستقبلية تُفضي لتمزيق البلاد.

خلافات في حكومة الحرب:

وعلى مستوى الراهن وفي ظل حكومة الأمر الواقع أو بورتسودان أو حكومة الحرب التي يقودها البرهان، نقلت تقارير إعلامية أوردتها “إرم نيوز” مؤخراً، احتدام الخلافات بين وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، ومكتب رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، حول الإيرادات المالية الشحيحة للبلاد، وفق مصادر متطابقة، رغم عمليات الجيش المنظمة للاستيلاء على المساعدات الإنسانية المقدمة للاجئين السودانيين.

وأكدت المصادر حسب التقارير أن الخلافات تفجرت عقب إقالة الأمين العام لديوان الضرائب، محمد علي مصطفى شرف الدين، قبل أسبوعين من قبل رئيس الوزراء المكلف بتوصية من مجلس السيادة، وذلك دون معرفة وزير المالية الذي اعترض على القرار عقب علمه به.

وأوضحت المصادر أن الأمين العام لديوان الضرائب المُقال هو أحد عناصر حركة العدل والمساواة التي يقودها وزير المالية جبريل إبراهيم، وقد جاء تعيينه ضمن قسمة السلطة التي أعقبت اتفاق جوبا للسلام في السودان.

وأضافت أن “جبريل إبراهيم يرفض إقالة مسؤول الضرائب باعتبار أن المنصب ضمن حصة حركة العدل والمساواة، ولا يجوز الإقالة إلا بعد التشاور مع قيادة الحركة”.

أبرز حلفاء البرهان:

ويعد رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، أحد أبرز حلفاء البرهان، حيث ينخرط منسوبو حركته في القتال إلى جانب الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع، وسط اتهامات باستباحة الوزير لأموال الخزينة العامة.

وكان مبارك الفاضل، رئيس حزب الأمة السوداني، كشف في أغسطس الماضي أن الحركات المسلحة التي تقاتل مع الجيش أخذت قيمة أصولها وممتلكاتها للقتال من الخزينة العامة للدولة.

وحول الصراع في بورتسودان كتب الصحفي المنتسب إلى حزب المؤتمر الوطني، عبد الماجد عبد الحميد، على موقع “فيسبوك” يقول إن “الأحداث تسارعت بشكل عاصف في الوسط الاقتصادي بمدينة بورتسودان، متوقعًا أن تشهد الساعات القادمة تباعدًا في المسافة بين مكتب البرهان ومكتب جبريل إبراهيم وزير المالية”.

وأشار إلى أن الخلافات بين مكتب البرهان ووزير المالية، تفجرت بسبب شخصيات نافذة في شركات الوقود، تهربت من تسديد مديونيتها، ثم استقوت بمكتب البرهان الذي أطاح لها بمدير الضرائب.

وأضاف أن “الشركات ماطلت في تسديد متأخرات بقيمة 80 تريليون جنيه سوداني، وبعد أن خاطبها مدير المركز الضريبي الموحد لتسديد متأخراتها، سربت الخطاب لشخصيات نافذة في الدولة، حيث أوعزت فيه بأن ديوان الضرائب يقف حجر عثرة أمام تسهيل توريد الوقود إلى البلاد”.

وأوضح أن الشركات المذكورة درجت على التهرب الضريبي، برغم أنها تبيع الوقود للمؤسسات الحكومية ذات الطبيعة السيادية والإستراتيجية بأسعار مضاعفة، وتستغل تسهيلات البيع بالآجل لجني أرباح تحتاج إلى مراجعة، على حد قوله.

وذكر أن ديوان الضرائب اتخذ إجراءات مشددة تجاه مدراء شركات الوقود الخاصة باستصدار أوامر بحظرهم من السفر وتقديمهم للقضاء لتحصيل المتأخرات الضريبية.

وقال إن وزير المالية جبريل إبراهيم حينما علم بإقالة مدير الضرائب غضب غضباً شديداً وحينما واجه رئيس مجلس الوزراء المكلف أفاده بأن الإقالة جاءت بإيعاز جهات عليا.

بيع المساعدات الإنسانية:

وتأتي الخلافات المالية بين صفوف البرهان وحلفائه، رغم ما يجنيه الجيش السوداني من بيع المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، للاجئين السودانيين.

وقالت المصادر إن أعلى حجم مساعدات إنسانية إغاثية وصل إلى حكومة “بورتسودان” كان في مارس وأبريل الماضيين، لاحتياجات السودانيين بالتزامن مع شهر رمضان الكريم، لتوزيعها على مناطق سكنية تحت سيطرة الجيش، وأيضا على مراكز إيواء في الداخل، وهو ما تم الاتجار فيه عبر عدة أشكال.

وأوضحت المصادر أن هذه المساعدات تم الاتجار فيها من خلال بيعها في أسواق مدن واقعة تحت سيطرة جيش البرهان والإسلاميين، من خلال شركات تجارية تابعة لرجال أعمال من “الكيزان” يقومون ببيع تلك المستلزمات بالحصول على نسب ربح، ويكون الجزء الأكبر من عمليات البيع لصالح قيادات في الجيش.

ويرى كثيرون أن نماذج الفساد الحالي وتزايد الخلافات بين أطراف حكومة الحرب تكشف إلى أي مدى سيعجز قائد الجيش وحلفائه الاسلاميين عن إدارة أي حكومة يمكن أن يشكلوها، بل وربما تأتي مرفوضة من قبل السودانيين سواء بالداخل أو في الشتات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار