السودان

الصحافة في السودان .. انتهاكات السلطة وتجاوزاتها

تقرير: راينو

تواجه حرية الصحافة على الصعيد العالمي تهديدات من السلطات السياسية التي يُفترض أن تكون هي الجهة المعنية بصونها وضمانها. وبحسب “مراسلون بلا حدود” يشهد هذا العام غياباً واضحًا للإرادة السياسية من جانب المجتمع الدولي لإنفاذ المبادئ المتعلقة بحماية الصحفيين، ولا سيما قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2222، بحسب نسخة 2024 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي أشار إلى أن الدول والقوى السياسية، بغض النظر عن أطيافها وتوجهاتها، أصبحت تتلكأ عن الاضطلاع بدورها المتمثل في حماية حرية الصحافة. في السودان ليس الحال ببعيد عن ذلك، انحدرت أوضاع الحريات إلى أدنى مستوياتها في ظل تعسف وقمع السلطات الحالية تجاه الصحفيين والتعقيدات الكبيرة التي يواجهها الصحفيون في القيام بدورهم على خلفية انقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت.

قتل واعتقال واختفاء:

أصدرت سكرتارية الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين تقريرها للربع الثاني من العام 2024 عن أوضاع الحريات الصحفية في السودان، وأظهر التقرير أن مجمل الانتهاكات التي رصدتها سكرتارية الحريات خلال الأربعة أشهر الماضية بلغت (45) حالة انتهاك مباشرة على الصحفيين والحريات الصحفية، ونوهت النقابة إلى أن هنالك بعض الحالات التي اضطرت إلى حجبها وعدم إيراد تفاصيلها في الرصد نسبة لأن الصحفيين الذين تعرضوا لها ما يزالون داخل منطقة الخطر، حفاظاً على حياتهم، خاصة وان هنالك تهديدات ما تزال تلاحق بعضهم. وتم رصد (13) حالة اختفاء قسري واعتقال واحتجاز لصحفيين من بينهم صحفيتان، وبلغ العدد الكلي لحالات الاعتقال والاحتجاز (52) من بينهم (7) صحفيات، وتم رصد (6) بلاغات، تم تدوينها في مواجهة صحفيين وهي تستخدم كوسيلة لترهيب الصحفيين وإسكات أصواتهم، وحذرت النقابة في بياناتها من استخدام القانون مطية لإسكات الأصوات المناوئة للحرب.

وتجدر الإشارة إلى أن العدد الكلي للانتهاكات منذ اندلاع الحرب بلغ (438) حالة، مصنفة وموثقة بحسب طبيعة كل انتهاك جميعها تعرض لها الصحفيون بحكم عملهم كصحفيين.

تهديدات عامة:

بعد حرب 15 أبريل 2013 تدهورت أوضاع الحريات العامة بالسودان ، حيث عملت سلطات الأمر الواقع على قمع الحريات وتكميم الأفواه عبر سن قوانين مقيدة للحريات العامة ، وأعلنت نقابة الصحفيين عن رصد (5) تهديدات جديدة على الإعلام والحريات الصحفية خلال الثلاثة شهور الماضية ، فيما بلغ العدد الكلي للتهديدات العامة (12)، وفي مايو صدرت تعديلات جديدة في قانون جهاز المخابرات العامة، تعتبر ردة قانونية، على الحقوق والحريات العامة وبمثابة مسوغ قانوني لسلطات جهاز المخابرات العامة فيما يلي طلب المعلومات أو البيانات أو الوثائق أو الأشياء من أي شخص والاطلاع عليها أو الاحتفاظ بها أو اتخاذ ما يراه ضرورياً ولازماً بشأنها، إلى جانب منح الجهاز قانونياً سلطة استدعاء الأشخاص واستجوابهم، ومنحه سلطات مطلقة في الرقابة والتحري والتفتيش، وحجز الأموال، واعتقال الأشخاص، وكل ذلك يصب في اتجاه المزيد من الكبت والتضييق، على الحريات العامة.

استهداف النقابة:

 في يونيو الماضي رصدت نقابة الصحفيين انطلاق حملة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي، حركها أفراد بعضهم صحفيون يُصنفونهم بانتماءاتهم الداعمة لأحد طرفي الصراع، استهدفت الحملة نقابة الصحفيين متهمة إياها بالوقوف إلى جانب طرف بالصراع وإنها واجهة إعلامية مساندة للدعم السريع، كما حرضت الحملة مسجل عام تنظيمات العمل والجهات العدلية وما أسموها بـ”اللجنة القانونية لملاحقة قيادات المليشيا وداعميها قضائياً”، على عدم الاعتراف بالنقابة، وملاحقة أنشطتها.

وفي ذات الشهر أصدرت قوات الدعم السريع بيان طالبت فيه الفضائيات بلعب دور محوري في تغطية الحرب متهمة وسائل الإعلام المحلية بعدم المصداقية، وعزت ذلك إلى السياسات الأحادية وغياب الحريات بحسب وصفهم. واتهم البيان بعض القنوات باعتمادها روايات من وجهة نظر واحدة، يتم تسريبها لخدمة أجندة سياسية وعسكرية.

وفي 11 يوليو أصدر والي النيل الأبيض قرار حظر للمواطنين من 6 مساء ودفع غرامة بقيمة مليار جنيه سوداني للمخالف. في يوليو ذهبت السفارة السودانية بلندن إلى مقر صحيفة الغارديان واتهمت الصحفية زينب محمد صالح التي تراسل الصحيفة، بتلفيق المعلومات وعدم المصداقية على خلفية تقرير نشر بالغارديان أورد شهادات نساء سودانيات اتهمن أفراد من قوات الجيش بإجبارهن على ممارسة الجنس مقابل الطعام. وإثر ذلك قامت الصحيفة بحذف التقرير المذكور من موقعها معرضة بذلك مراسلة الصحيفة إلى مخاطر عدة تتعلق بالسلامة والحماية، قبل أن يعاد نشره مرة أخرى.

خلل قانوني:

وبحسب قانونيين فان هذه التعديلات لا تستند إلى أية مرجعية تشريعية أو دستورية تمنح الذين أجازوها سلطة سنها وإجازتها، علاوة على أن التعديلات سلبت أجهزة أخرى مثل الشرطة والنيابة سلطاتها وهو ما يعد خللاً قانونياً فادحاً، لا يتحقق من خلاله مبدأ المحاكمة العادلة. وهذا ما يخالف الوثيقة الدستورية لسنة 2019 التي ذكرت في الفصل الحادي عشر/ المادة 36 “إن جهاز المخابرات العامة جهاز نظامي يختص بالأمن الوطني وتقتصر مهامه على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة”.

بلاغات ومحاكم:

وقالت سكرتيرة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين إيمان فضل السيد إن النقابة تتأسف للتدهور المريع في حرية الصحافة، وإنها ظلت تناشد طرفي الحرب بالكف عن استهداف الصحفيين وعدم تعريضهم للقتل والاعتقالات والإخفاء وتسهيل حركتهم في القيام بدورهم في توفير المعلومات للمواطنين، وأكدت إيمان في حديث لـ”راينو” إن نقابة الصحفيين عبر سكرتاريتي الحريات والعون القانوني حريصة على سلامة منسوبيها وتعمل على الدفاع عنهم ونجحت في إطلاق سراح العشرات منهم من معتقلي استخبارات الجيش السوداني والدعم السريع.

ونوهت “إيمان” إلى أن بعض حالات الاعتقال تتحول إلى بلاغات نشر يتم النظر فيها في المحاكم وقالت “إن هذه الخطوة لها محاسن ومساوئ، خاصة في ظل عدم وجود قضاء عادل”. وفي حالة تكرار المخالفة تضاعف العقوبة ومصادرة المواد والأدوات والوسائل التي ارتكبت بموجبها الجريمة، والتي تم ضبطها أثناء المخالفة، وتؤول لحكومة الولاية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار