السودان

الجيش يعرقل مفاوضات سويسرا ..  سيناريوهات ما بعد جنيف

تقرير: راينو

إحباط كبير سيطر على المواطنين السودانيين خاصة من شردتهم الحرب وأهدرت كرامتهم. كان سكان المعسكرات والنازحين بالولايات واللاجئين بدول الشتات، يأملون في ذرة إنسانية مفقودة لدى قادة قوات الجيش السوداني، بأن يستجيبوا لرغبة ضحايا الحرب في إيقافها، والتحلي بالشجاعة في الانحياز لرغبة الشعب السوداني في السلام. كنت كل الآمال معلقة بجنيف، علها تبث الخبر اليقين بوقف الحرب، إلا أنها تبخرت بمكابرة وعدم جدية قادة القوات المسلحة السودانية الذين يكبلهم تنظيم الحركة الإسلامية كما ألمح بذلك المبعوث الأمريكي “توم بريلو” وهو ينعى فشل محادثات جنيف في التوصل لوقف لإطلاق النار في السودان. فماذا بعد جنيف؟ وما السيناريوهات المتوقعة في المشهد السوداني؟

مخرجات جنيف:

انطلقت محادثات جنيف لوقف الحرب في السودان في 14 أغسطس الجاري بحضور وفد قوات الدعم السريع والوسطاء وغياب وفد الجيش، وأصدرت الأطراف المشاركة في محادثات جنيف بشأن السودان بياناً يقول إن المحادثات التي بنيت على أسس محادثات جدة تمكنت خلال الأيام العشرة الماضية من تأمين إعادة فتح وتوسيع الطرق الرئيسية لتقديم المساعدات الإنسانية و تلقت التزامات لتحسين حماية المدنيين خاصة النساء والأطفال، فضلاً عن أنها طورت إطار عمل لضمان الامتثال بإعلان جدة وأي اتفاقيات مستقبلية بين الأطراف المتحاربة .

وعدّد البيان أبرز مخرجات محادثات جنيف فتح المعابر لتوسيع وصول المساعدات الانسانية وتعهدات من القوات المسلحة والدعم السريع لمرور المساعدات عبر معبر ادري وطريق الدبة شمال وغرب بورتسودان، وحث على ضرورة ابقاء هذه المعابر مفتوحة و دعا القوات المسلحة والدعم السريع الى ”اتخاذ تدابير فورية للتطبيق الكامل لإعلان جدة حصل على التزام الدعم السريع لإصدار توجيهات لمقاتليها من جميع الرتب، بالامتناع عن الانتهاكات، بما في ذلك العنف ضد النساء أو الأطفال، واستخدام واستغلال التجويع و نقاط التفتيش، والاعتداءات على العمليات الإنسانية والخدمات الأساسية مثل الحقول الزراعية، والمزارعين، والعمليات المرتبطة بالحصاد. تقديم مقترح للأطراف المتحاربة لإنشاء آلية لحل النزاعات، واستقبال الشكاوى، ومعالجة المشاكل الناشئة عن تنفيذ الالتزامات المتعلقة بحماية المدنيين. كما تم الترحيب بقرار الدعم السريع ارسال وفد الى سويسرا والاسف لقرار القوات المسلحة عدم ارسال ممثلين لها، ما أدى الى الحد من القدرة على تحقيق تقدم ملموس في قضايا أساسية كوقف أعمال العنف.

تبريرات وتهديدات:

لم ينته الاجتماع الدولي في سويسرا ولم ينفض سامر المشاركين، إلا وخرج قائد انقلاب الجيش عبد الفتاح البرهان في مؤتمر صحفي من بورتسودان، كشف فيه سبب عدم توجه الجيش الى بورتسودان. وللمفارقة كان السبب أن العالم لا يتعامل معه كرئيس حكومة بل كقائد للجيش فقط، وهو حلمه الذي يسعى لتحقيقه وارثا اياه من أبيه كما ظل يردد، وهو أن يحكم السودان.

وقال البرهان في تصريحات أعادت الأزمة في السودان إلى المربع الأول، إن الحرب “ستستمر – في بلاده – إذا لم تتحقق مطالبنا.

وانقلب جيش البرهان في 25 أكتوبر 2021م على الحكومة الشرعية التي تشكلت في أعقاب ثورة ديسمبر المجيدة.

وكشف البرهان المدعوم من النظام المباد، عن السبب وراء غياب وفده لمؤتمر جنيف الذي دعت إليه الولايات المتحدة وانتهت أعماله الجمعة، وقال في مؤتمر صحفي اليوم السبت، أن إصرار واشنطن على إرسال وفد من الجيش – لا وفد حكومي – هو السبب في الامتناع عن المشاركة في المؤتمر، الذي كان من المأمول أن ينهي الحرب الدائرة في السودان منذ أبريل 2023.

وتابع: “واشنطن قدمت لنا دعوة منقوصة “وجنيف” لتبييض وجه الدعم السريع، مشددًا على أن مُخرجات منبر جدة هي الأساس لأي مفاوضات متعلقة بالحرب في السودان”، وأضاف: “لا مكان لسيناريوهات تقسيم السودان، ولن نقايض الخرطوم بالفاشر”. وتابع:” لن يذهب أحد منا إلى جنيف”.

ويصر البرهان على انه رئيس لمجلس السيادة، ويرفض توصيفه بقائد الجيش فقط.

وكشف البرهان عن عزمه العمل على تشكيل حكومة مرحلية لقيادة الفترة الانتقالية.

وتحت الضغط الدُّوَليّ، أعلن البرهان إرسال وفد إلى القاهرة لبحث الملفات الرئيسية المعروضة على مؤتمر جنيف، وبعد اتهامات بالتلكؤ، ومغادرة الوفد الأمريكي مصر عائداً إلى جنيف، أعلنت حكومة السودان وصول اثنين من وفدها إلى القاهرة الخميس الماضي.

خطوة اعتبر الخبراء أنها قد لا تسهم كثيراً في التخفيف من تعقيدات الوضع في السودان، إثر مغادرة الوفد الأمريكي برئاسة المبعوث الخاص إلى السودان “توم بريلو”، واشتعال الأوضاع على الأرض.

ونهاية الشهر الماضي، أعلن “بلينكن” أن واشنطن تسعى لإنهاء النزاع، ودعا الجيش وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات بشأن وقف إطلاق النار، بوساطة الولايات المتحدة.

بلينكن أوضح أن المحادثات “تهدف إلى تحقيق وقف العنف في جميع أنحاء البلاد، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من يحتاجون إليها، ووضع آلية مراقبة وتحقق فعالة من أجل ضمان تنفيذ أي اتفاق”.

وتقول الأمم المتحدة إن السودان الذي كان، حتى قبل الحرب، من أفقر بلدان العالم، يشهد “واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم، وهو مرشح لأن يشهد قريبًا أسوأ أزمة جوع في العالم”.

تدخل عسكري:

كل ذلك يجعل التساؤلات حول المتوقع بعد فشل محادثات جنيف، وفي هذا الشأن يقول الصحفي والمحلل السياسي “محمد سعيد” إن جنيف عملية كبيرة ومصممة دولياً على إيقاف الحرب في السودان، مؤكداً بأن الجيش ليس لديه قابلية للتفاوض لأنه يريد أن يحرز تقدم ميداني وهو في وضع لا يتيح له التفاوض، وهذا الوضع يعرضه لتقديم تنازلات كبيرة في حال ذهابه لجنيف، خاصة وأن وقف إطلاق النار يعني بقاء كل قوات في مناطق سيطرتها، وبالتالي قوات الدعم السريع ستظل محتفظة بمناطقها ما يجعلها تبحث عن مكاسب سياسية وهي غير مؤهلة لذلك بدليل فشلها في إدارة الولايات التي سيطر عليها.

 وتوقع سعيد في حديث لـ”راينو” حدوث تدخل عسكري أمريكي أحادي بعيداً عن مجلس الأمن مثل ما حدث في ليبيا، وأضاف: “لن تكون العلاقة مرنة بين الجيش وأمريكا في مقبل الأيام مع توقعات بتصعيد عسكري كبير”.

ومن جانبه يرى المحلل السياسي عبد الله علي، أن حالة الخيارات العدمية التي يواجهها السودان وشعبه تنذر بمواجهات دموية عنيفة بسبب الانشقاقات وتعدد مراكز القرار داخل القوى التي أشعلت الحرب واختلفت حول كيفية الخروج منها ولم تتحسب لخروج الامور عن سيطرتها وفقدانها 70 في المائة من مساحة السودان .

 خيارات التشظي:

كل السيناريوهات المتوقعة بعد فشل محادثات جنيف، لا تبشر بخير لمستقبل السودان القريب، وفي تدوينه له كتب القيادي بتنسيقية القوى الديمقراطية “تقدم” خالد عمر يوسف إن استبعاد خيار تشظي السودان يغالط تاريخنا الخاص وتجارب الاقليم الشبيهة من حولنا خصوصاً أننا نطبق في “كتالوج” هذه التجارب حذو النعل” وأضاف معلقاً على حديث قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أمام مجموعة من الإعلاميين ببورتسودان”.

 كان من الواضح أن البرهان يريد استنساخ النموذج الليبي في نسخته الأخيرة “2019 – 2020″، حين استعانت سلطة طرابلس بظهير اقليمي صد عنها حصار “حفتر”، وعقب ذلك -وللمفارقة في جنيف السويسرية – حدث اتفاق جمد الأوضاع على ما هي عليه، دولتين غير مستقرتين أو أكثر، ضمن حدود جغرافية واحدة بسلطات مختلفة ومتنافسة”. هذا يشابه أيضاً ما حدث في الصومال واليمن وسوريا. تقسيم بحكم الأمر الواقع، وحكم على الشعب بالتشرد والضياع الأبدي، دون أي أفق لإنهاء معاناته”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار